الحملة العسكرية الشاملة في محافظتي أبْين وشبوة والتي يشنها الجيش اليمني بمساعدة اللجان الشعبية هي الثانية من نوعها.. لكنها هذه المرة تختطُّ استراتيجية جديدة بعد أن تيقَّن الجميع بأن الحملة الأولى انتهت إلى سلسلة من الاغتيالات المستهدفة للقيادات العسكرية، بما في ذلك الضباط وصف الضباط والمشتغلون في وزارتي الدفاع والداخلية، ولهذا السبب قدمت القاعدة المبرر الكافي للشروع في الحملة الثانية حتى لا تتحول المؤسسات العسكرية والأمنية النظامية إلى هدف مكشوف للقاعدة ومن يساندها، والحقيقة أن تنظيم القاعدة في اليمن لا يختلف من حيث الجوهر عن نظرائه في العالمين العربي والإسلامي، ولا يتميز بعقيدة سياسية مختلفة عن بؤر انتشاره في كل أرجاء العالم، غير أن ما يميز وجود هذا التنظيم في اليمن، كما في أفغانستان والصومال وباكستان والعراق، أنه يتوفَّر في هذه المناطق على حواضن مثالية لمشروعه الألفي الاستيهامي العابر للقارات والحدود، فالأصل في معادلة المنتمين للإسلام السياسي الطُهراني أنهم لا يؤمنون بالدولة القطرية العربية، بل والكيانية العربية الافتراضية المنفصلة عن الكيان الإسلامي الشامل، ومن المثير للدهشة أن كلا الكيانين الافتراضيين للعرب والمسلمين لهما حضور ممتد في واقع الحال عربياً وإسلامياً، فالدولة القطرية العربية هي الأساس في المعادلة الحياتية الواقعية، والدولة الإسلامية المقرونة بحلم الخلافة تنسد أمامها الآفاق، حالما ندرك أن التاريخ يمضي إلى الأمام ، ولا يعيد إنتاج نفسه بالكيفية التي يتصورها من لا يقرأون التاريخ قراءة منطقية محكومة بنواميسه وقوانينه الموضوعية .
القاعديون في اليمن واجهوا الحملة الأولى للجيش، بفعل ارتدادي عاصف استهدف العسكريين، وتجوَّل في الأماكن المختلفة، وتمكَّن من قتل كوكبة من خيرة الأسماء والرموز، وفي تقديري أن رد الفعل المحتمل بعد الحملة الثانية لن يكون بعيداً عن ذات المسار، ولهذا السبب لا بد للمؤسسة السياسية اليمنية من متابعة العتبة التالية للحملة العسكرية الماثلة، علماً بأن العتبة التالية ستكون أشد ضراوة من الحملة القائمة الآن، ذلك أن ما سيلي لن يكون مُجيَّراً على قوى خفائية شبحية كتنظيم القاعدة، بل أيضاً على تلك المليشيات المسلحة التي تعمل خارج نطاق الدولة وقوانينها المرعية، حتى إنني أزعم أن من يقف وراء هذه المليشيات المسلحة ليسوا سوى أمراء حرب اعتياديين، وأنهم بهذا المعنى يغردون خارج السرب العام للتسَّوية العامة في اليمن.
Omaraziz105@gmail.com