ليس من قبيل اللغو والتجديف، ولا حتى الكلام الاستنسابي المتفلت إذا قلنا أن الوطن مازال في قلب المخاض الصعب الذي لم يصل بعد إلى نهايته المنطقية، عطفاً على مقتضيات التاريخ ونواميس الكون ، فالعسر مازال ماثلاً ، والتداعيات السلبية تتطلب قدراً كبيراً من الصبر والتحمل والإرادة البناءة، وأمراء الحرب المنتشرون في أروقة الدولة ومؤسساتها بحاجة إلى من يلجمهم بقوة العدل والقانون ، والمستأجرون المأفونون بثقافة الماضي السلبية لابد من محاصرتهم بالمنطق والعقل، المقرونين بقوة الإرادة الواعية والقانون الناجز .
ما يجري في الساحة يمثل ذروة مخاض تمدد طويلاً، متوازياً مع عقود من البؤس والضلالات التي لم تسمح للوطن بالتنفس الطبيعي، حتى وصلنا الى حالة الاحتقان الماثلة . لكن ماجرى ويجري، وبالرغم من آلامه وويلاته خلق ويخلق مفردات جديدة على الأرض ، فيما يذكرنا بما كانت عليه أحوال شعوب وأمم كادت أن تنسحق، فإذا بها تخرج من كهوف الظلام بين عشية وضحاها، واليمن ليست بعيدة عن حكمة التاريخ والجغرافيا ، بدليل أنها مازالت الأوفر حظاً في بلدان الربيع العربي ، وما زلنا قادرين على تفعيل التوافقية الحكيمة ، والإبحار بعيداً خارج منطق الأزمة والصراع المستديم.
لقد أثبت اليمانيون حكمة عصفت بالثوابت الذهنية والصورة النمطية التي تمددت في أروقة الذاكرتين العربية و العالمية ، بوصفنا شعباً من سلاح مجرداً ، وعصبية لا تبرد نيرانها ، وثقافة إلغاء لا تعرف الكلل والملل . لقد تبددت هذه الصورة بين عشية وضحاها ، وبوسعنا الآن التقاط ثمرة التضحيات والمتاعب، بل إننا مجبرون على السير قدماً على درب التعايش الحميد الذي يوسع ملعب المشاركة، ويودع المركزية المتجهة، ويجعل أقاليم الوطن منخرطة في المباراة الحرة الشريفة من أجل المستقبل.
هذا ليس وعظاً أو إرشاداً كما قد يتبادر إلى الذهن، بل إنه الدرب الوحيد المتاح لنا للخروج من نفق التنافي العدمي، وثقافة المكايدات والصراخ ، ومنطق الاستقواء بما لا علاقة له بالقوة الحقيقية .. قوة الاعتراف بالحال ، وتلافي ماهو أسوأ.
Omaraziz105@gmail.com