1 – المقت الأكبر
السوية الإنسانية نفسياً واجتماعياً, مشروطة بالتطابق بين القول والفعل ومتجسدة بالاتساق بين خطاب الإنسان وسلوكه, إذ يلتزم بفعل ما يقول, أو يلزم نفسه بقول ما يقدر على فعله, فلا يأتي من الأفعال ما يناقض ما يقوله من كلام, ولا يقول ما لا يقدر على القيام به فعلياً.
والصلة بين القول والفعل, محكومة بمصفوفة قيم ومنتظمة في جملة من الأخلاق, تفترق بالإنسان بين الكريم والذميم من المحمود إنسانياً في القيم والأخلاق مثل الصدق والكذب, أو الأمانة والخيانة , أو الرياء والإخلاص, أو الحقيقة والخديعة, لذلك يستنكر الله على المؤمنين به أن يقولوا ما لا يفعلون, واصفاً ذلك بالمقت الأكبر, قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} الصف الآيتان 2 , 3.
وحين يدعو فرد أو جماعة غيرهما إلى مالا يلتزما به في الظاهر والخفي من تصرفاتهما الفعلية , فإنهما يكونان كاذبين ومخادعين ومنافقين وخائنين, وكل هذا مما لا يليق بمؤمن بالله أن يقترفه ويكسب به كبر المقت عند الله , فالمؤمن صادق أمين ومخلص وفي سره كجهره, وظاهره كباطنه, لأنه مؤمن أن الله الذين يؤمن به ويتقرّب إليه وحده في عبادته ومعاملاته ,هو الله الذي أحاط بكل شيء علماً ويعلم السر وأخفى ولا تخفى عليه خافية.
وفي السياسة تكثر حالات التناقض بين القول والفعل, حين ينطلق السياسي, فرداً أو حزباً, من وهم أن التأثير على الجمهور يأتي من قدرته الخطابية على إثارة اهتمامهم ونيل إعجابهم وتقديم للوعود التي يحلمون بها, وذلك بدافع إغراء الجمهور للانضمام إليه أو التصويت له في الدورات الانتخابية, حتى إذا فاز بثقة الناس, تنكّر لقوله وفعل نقيض هذا القول, إما لأنه عاجز عن الالتزام به أو قاصد ابتداءً عدم الالتزام به, هذه الفئة من الناس يتحدث عنها كتاب الله في آياته البينات بسورة أخرى حين يشير إلى حالة نجح قولها في تمكينها من ولاية السلطة , قال تعالى :{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد} البقرة.. الآيات 204-206
فإذا تدبرنا آيتي سورة الصف, وجدناهما, نداءً للذين آمنوا بصيغة استفهام استنكاري عن الأسباب التي تدخلهم في المقت الأكبر عن الله بقول مالا يفعلون, وذلك يعني أن المؤمنين قد يقعون في حالة التناقض بين القول والفعل, ويكسبون منه كبير مقت يصل بهم إلى بئس المهاد.