إذا كان هناك شيء يمكن استخلاصه من كل ما يجري على الساحة اليمنية فهو أن اليمن تواجه ردة عبر الزمن بعض القوى السياسية والجماعات المسلحة تريد العودة باليمن إلى القرون الغابرة هذه الجماعات تستخدم الزمن بشكل سيء مما ترتب على ذلك أزمة متعددة الابعاد اقتصادية وأمنية وسياسية وحضارية وأخلاقية ودينية سقطت اليمن تحت أقدام هؤلاء فالزمن ضائع والعمل لا يتم والأرض مزروعة بالسلاح بدلاً من الغذاء.
تتكالب القوى السياسية والمليشيات المسلحة على زيادة العنف وتعبئة البلاد بالسلاح الذي يشكل تهديداً كبيراً لمستقبل هذا البلد كما انه يبتلع جهود التنمية والبناء.
والسؤال يطرح نفسه : لماذا لا تتسابق هذه القوى على التنمية والبناء خاصة وان السباق مع الزمن بات مطلباً ملحاً في هذا العصر ؟ إذا استمرت هذه القوى في الصراع فإن البلاد سوف تنهار فوق رؤوس الجميع فالضغوط كثيرة تبدا من النظام التعليمي وتمر بالغذاء والمياه والكهرباء والخدمات العامة والمواصلات وتنتهي عند الأمن والاستقرار.
اي طرف يعتقد انه قادر على إخضاع الطرف الآخر بالقوة ليتسنى له حكم البلاد يبقى واهماً لأن ذلك سيكون مستحيلاً الحقائق تقول ان تدمير البلاد وصلت إلى قمتها وان معدلات الفقر والأمية قد زادت وهذا يدعو إلى القلق.
معالجة هذه الأمور والتعامل معها ضروري لمقاومة الانهيار وهذا يستدعي نزع السلاح وابداله بأدوات إنتاج زراعية وصناعية وإحلال السلم الاجتماعي والقبول ببعضنا البعض وان نتسابق جميعاً على البناء والتنمية .فنحن نعيش في بلد عامر بالإمكانيات وتنوع الموارد ،لكن المشكلة هي كيف نحول هذه الموارد إلى تنمية تحقق للبلاد الأمن والاستقرار.
والسؤال الذي يواجهنا مرة أخرى : هل تستطيع هذه القوى المتصارعة ان تحول صراعها من المناخ الثوري إلى المناخ التنموي حتى تجنب اليمن الاحباطات والاخفاقات ؟ وقد رأينا كيف ان الشعب اليمني على استعداد لأن يعطي ثقته لمن يطرح مشروعاً للمستقبل فقط علينا ان نحول مشاريعنا الخاصة إلى مشاريع عامة .
نحن في مرحلة سباق مع الزمن وامامنا قضايا كثيرة مثل التخلف وزيادة الفقراء وارتفاع معدل الجريمة, فنحن فعلاً أمام مواجهة الكارثة إذا لم نوقف شهوة القتل ومحاولة لفت أنظار الشعب بعيداً عن أولوياته واحتياجاته.
ولست بحاجة للقول إن على هذه القوى أن تبتعد عن الاستدراج المستمر للشعب ومطالبته بتحمل نتائج إجراءات لم يشارك في صنعها.. كما عليها أن تبتعد عن عمليات الاستنزاف المستمرة في القضايا الفرعية ذات الطبيعة الأيديولوجية التي تصرف الناس عن همومهم الحقيقية.
السنوات الأخيرة التي مرت بها اليمن كانت معملاً كبيراً كي يتعلم اليمنيون منه أن الحرب ليست حلاً وأن الإقصاء لايولد إلا إقصاءً والعنف لايولد إلا عنفاً وأن الديمقراطية هي الحل لتداول السلطة. وقد كان لليمن شرف التأسيس لمثل هذه الديمقراطية في العصور الغابرة, فالديمقراطية تعني المسؤولية الوطنية ومراجعة الماضي والاستعداد للمستقبل, ربما أثبتت الجماعات الدينية أنها جيدة في سياسات الشوارع والتثوير الشعبي, لكنها في سياسة القبول بالآخر فإنها تكتفي بالأمنيات.
أخيراً يمكن القول إن الرئيس هادي ورؤساء الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة عليهم أن يتعاونوا جميعاً في تشكيل حكومة لإدارة الأزمة الاقتصادية والسياسية من أجل إنقاذ المستقبل وبناء الدولة وإنقاذ الوطن. والمدهش أن تشكيل الحكومة القادمة مفيد للغاية, فلم أفهم أبداً لماذا يرشح شخصان للوزارة الواحدة يتم اختيار أحدهما. بالطبع قد يكون لذلك حكمة ما, ولكنها على الأغلب تفتح الباب للابتزاز..
نحتاج إلى تحديد معايير لهذه الحكومة ووضع ضوابط لها حينها سيكون الاختيار دقيقاً.. لنضع معايير مثلاً أن الوزيرلايتقاضى أكثر من مرتبه وأن تعمل الوزارة فترتين مثلها مثل القطاع الخاص وألا تستخدم سيارة الوزارة إلا للعمل وليس للعائلة والأولاد. فالقضية هنا ليست الأسماء وإنما الفاعلية.
بصراحة أن معسكر الدمار في اليمن مازال يخطط وينقض على البلد كلما وجد ضعفاً أو تهاوناً.. فلا أعتقد أنه توجد كارثة أكبر مما نحن عليه اليوم, فهناك تحالفات وتربيطات سياسية. والعدو أصبح داخل البيت والبرابرة أصبحوا داخل المدينة. وأصبحت الأحزاب عبارة عن أسماء ثورية, فالحوثي في جرفه في صعدة وعلي صالح في منزله في الثنيةوعلي ناصر وعلي سالم في الخارج. هؤلاء جميعاً في لحظة اختبار تاريخية, ولن تكفي بياناتهم للإنقاذ من لعنة التاريخ وسيكون التاريخ مع من أنجح المرحلة الراهنة.