إن اختلافنا حول مجريات الأحداث التي صنعتها الحركة الحوثية لا يحول دون إجماعنا على أن الوضع الذي تهاوى بقوة الفعل الحوثي المتحرك على الأرض لا يستحق حزننا عليه وأسفنا على زواله لأنه لم يعجز عن إنجاز ما يحمد له فحسب, بل كان قوة قاتلة للتغيير وغادرة بالطموح الوطني وإرادته الشعبية المنتصرة للتغيير في ساحات وميادين انتفاضة 2011م.
تقول الوقائع إن الحركة الحوثية أطلقت رصاصة الرحمة على القوى التي غدرت بالتغيير بعد أن صعدت باسمه إلى مواقع القيادة والقرار, فسقطت بهذه الرصاصة حكومة وفاق حزبي قتلها العجز والفشل, وسقطت بها أيضاً قوى نفوذ طغت وعاثت فساداً و سيطرت على انتفاضة الشعب لتعيق حركتها الساعية إلى تغيير النظام وبناء اليمن الجديد, وسقطت معها المنظومة الحزبية الكاملة, لكن السقوط كان أكثر لأحزاب اللقاء المشترك.
ليس مهماً أن نرضى عن الوقائع ونقبل بما أنتجته من واقع, وليس مهماً أيضاً, أن نحكم على الأحداث وتداعياتها المستمرة سلباً أو إيجاباً, لأن ذلك لن يغير من الواقع القائم بالفعل شيئاً, ولن يعين في قليل أو كثير على التعامل مع هذا الواقع بما يتطلبه من تعزيز أو تصويب أو تغيير, وعليه فالمهم بل الأهم هو أن تفسر الوقائع تفسيراً يبين لنا كيفية حدوثها بالصورة التي تحركت بها في الواقع وارتسمت بها على المشهد العام وبما يجعلنا على قدر من اليقين النسبي بمعرفة كيف هزمت القوى المتمكنة على يد الحركة؟!
ربما يكون مفيداً لنا ونحن نقرأ ما حدث, أن نتبين من دور فشل حكومة الوفاق في تحقيق أي من أهداف التغيير, ثم مؤتمر الحوار في مقاربة القضية الجنوبية بحل عادل يقبله الجنوبيون, في تقديم الشرعية الكافية للحركة الحوثية لقيادة انتفاضة شعبية أطاحت بهذا الفشل, وأزاحت القوى التي فرضته على الشعب وحكومة الوفاق وأحزاب اللقاء المشترك, بذريعة أنها انحازت للانتفاضة الشعبية وحمتها من بطش صالح وساهمت في انتصارها، وهذا لا يعني بأي حال أن الحركة الحوثية قدمت بديلاً مرضياً أو مقبولاً إذ يبدو من مجريات الأحداث الراهنة أنها تقدم بديلاً أسوأ.
قد يكون مهماً هنا أن نفكر في كل الذي يُقال عن دور الرئيس السابق في قوة الحركة الحوثية وانتصارها, لنتساءل فيما إذا كان بمقدور الرئيس السابق فعل كل ذلك لو أن خصومه من مراكز القوى ومعارضيه من أحزاب المشترك سارعوا إلى تغيير النظام الذي حكم به صالح أو صارعوا من أجل تغييره من موقعهم في الحكومة وبقوتهم السياسية والمجتمعية, ولنا أن نجيب عن التساؤل بما ظهر لنا من معطيات الواقع الدالة على أن التمسك بنفوذ علي محسن في الجيش أبقى على نفوذ صالح وأعاق عملية تغيير الاقطاع العسكري لصالح بديل وطني كان بمقدوره بعد ثلاث سنوات الدفاع عن الوطن والدولة متحررين من الاقطاع القبلي والعسكري.
albadeel.c@gmail.com