توهّجت روح الوطنية اليمنية أثناء منافسات البطولة الخليجية, بصورة دلّت من جهة على حجم الدمار والخراب الذي لحق بهذه الروح جرّاء الصراع السياسي في الفترة الأخيرة, ومن جهة أخرى, على صلابة هذه الروح وقدرتها على استعادة وهجها وحضورها الشعبي بسرعة وقوة.
لم تكن مدرّجات الملعب الرياضي في العاصمة السعودية مجرد حضور مهووس بالساحرة المستديرة: كرة القدم, بل كان حضوراً للروح الوطنية اليمنية المتوهّجة بكل ما يمثّله الوطن من وحدة وإصرار على مجابهة المشكلات, وعلى التعبير عن الذات الممزّقة سياسياً والمحاصرة وطنياً بالنعرات الجهوية والفئوية.
لقد اتسق المشهد الوطني بين المنتخب والجمهور, وبين وطن الغربة وغربة الوطن, فتآلفت جبال اليمن وسهولها على نغم وطني تقدّس في النفوس وجاشت به الحناجر مدويّة بالحياة التوّاقة إلى الانعتاق والمصممة على الخلاص والخروج من ليل الاقتتال وظلمات الفتن والصراع.
ولعل ذلك الجمهور الذي احتشد على مدرّجات الملعب كان من جحيم الاغتراب ينادي وطناً ضاع في زحام التقاتل البليد على فتات المناصب وبريق المكاسب, وكان بهذا النداء يوجّه صرخته الهادرة: أنا الشعب وأنا اليمن وأنا الوجود وأنا الوطن, وهنا تراجعت مكاسب المنتخب لصالح المكسب الوطني العام.
أتمنى أن يكون الساسة قد قرأوا المشهد جيداً وأعادوا قراءة أبعاده ودلالاته ليستعيدوا بهذه القراءة وطناً يتسع للجميع ويكبر بالجميع, ويوحّد المشاعر والحناجر على أنغام الوطن ووطنية النغم, وأتمنى أن يكونوا قد فهموا الدرس جيداً وأدركوا ما يعنيه الاحتشاد الجماهيري في الداخل والخارج, وما يعنيه أن تخرس المشاريع الصغيرة في لحظة توهّج الروح الوطنية لليمن كل اليمن في الداخل والمهجر.
والذين لم يروا توهّج الروح الوطنية في الملعب الكروي لم ولن يروا ما تعنيه هذه الروح باليمن ولليمن, لذلك لن يتقدّموا بحركتهم صوب هذا الوهج الوطني بما يستحقه من مراجعة للنفس وتصحيح للمسار وتقويم للاعوجاج السياسي المنغلق على نفسه في ضيق من فسيح الوطن ورحاب اليمن.
ومما قالته الروح الوطنية المتوهّجة بالملعب جمهوراً ومنتخباً أن أزماتهم السياسية تافهة ومشكلاتهم بسيطة وأن قوة الروح الوطنية قادرة بغمضة عين على لملمة الشتات السياسي ومداواة جروح الصراعات, فقط وإذا فقط انبعثت فينا الروح الوطنية، وسمت بنا فوق سحاب المجد وقمم الولاء الوطني كما أضاءت من الرياض وبالرياضة كل اليمن.