كان فقيد الصحافة اليمنية الزميل الراحل عبدالله سعد يضع حكمة شعبية أعلى الصحيفة التي كان يرأس تحريرها تتمثّل في القول الشعبي الدارج: «ما للحَب المسوِّس غير الكيال الأعور» وذلك في إشارة لا تخطئها الدلالة عن أن ظواهر الفساد وحالات التسيُّب والانفلات وسرقة المال العام وإشاعة الفوضى والتخريب والإرهاب بحاجة إلى صرامة ورجال صادقين يحرصون على المصلحة العامة أكثر من حرصهم على نزواتهم الشخصية والأنانية.
وبالفعل، لقد كان الصحافي الراحل ابن سعد مجتهداً وصادقاً لا يخاف في الحق لومة لائم وهو يتتبّع ويكشف حالات التلبُّس بالفساد ومكامن التقصير والهدر والاستحواذ على المال العام وفضح الفوضى الضاربة أطنابها في كل أركان المجتمع ومؤسّسات الدولة في وقت كان فيه الجميع يلوذ بصمت مريب وفي مناطق آمنـة مسبّحاً بدكتاتورية الفرد والتسلُّط والفساد..!!.
تذكّرت هذه القيمة وأنا أرقب حالة الانهيار الشامل الذي يكاد يطبق على مؤسّسات الدولة وبُنية المجتمع ويغرقها بالفساد والعبث والإرهاب وبفعل أيادٍ يمنية ـ مع الأسف الشديد ـ ودون أن يظهر كيّال أعور لتنقية تلك الحالة من الفوضى العارمة والفساد المستشري والانفلات الأمني الخطير والتعدّيات الفاضحة على ممتلكات الدولة وحريات الأشخاص وتخريب ممنهج للمؤسّسات وفي أريحية كاملة..!!.
وفي ظل هذه الأوضاع السيّئة والملتبسة نحن أحوج ما نكون إلى من يفرز الصالح من الطالح، يعاقب المسيء ويكافئ المُحسن وبخاصة في وقت اختلطت فيه أوراق اللعبة؛ بمعنى آخر إننا نحتاج إلى قدوة تعيد الأمور إلى نصابها والأوضاع إلى طبيعتها والمعتدي إلى حظيرته، فضلاً عن بسط سُلطة النظام والقانون وفرض هيبة الدولة وإشاعة قيم العدل والخير والسلام ومكافحة الجريمة والإرهاب والتسلُّط وتقديم الجُناة إلى العدالة الناجزة وتطبيق سيف الحق على أولئك الذين باتوا أشبه بالسوس الذي ينخر جسد الوطن والتجربة دون رحمة أو شفقة.
ومع كل هذه المرارة في العجز عن تشخيص ومعالجة أزماتنا وحالة الانفلات والتسيُّب والصمت، تبقى أمامنا فرصة اللحظة الأخيرة للبحث عن الكيال الأعور لتنقية هذا الوضع من تغوُّل واستشراء دودة السوس وسط مجمل مفاصل الحياة اليمنية، خاصة أن ثمّة حلفاً مريباً غير معلن بين سوس الإرهاب والفساد والجريمة قد دخل خط استهداف اليمن وصولاً إلى الإعلان أن هذا البلد مصاب بداء التسوّس الذي سيحتاج إلى عملية جراحية خطيرة لاقتلاعه..!!.