توالت الأيام والسنون، فيما تحولت «مريوم» إلى لازمة يومية ترافق سكان الحارة. بحثوا عن ماضيها فلم يجدوا لها نبعاً يعودون إليه، ولا درباً يوصلهم إلى ما كانت عليه. غير أن أحدهم انبرى ليقدم تفسيراً مقروناً برحلته البعيدة إلى ما وراء البحار. كان عائداً من تلك الرحلة الملحمية، وكان متحرقاً للانفراد بتفسيره الخاص لماهية مريوم، ومن أين جاءت ؟ وكيف كانت؟ ، ولماذا تلبس خمسة سراويل، وخمسة قمصان .. دُفعة واحدة.
قال إن مريوم من بيت كريم في الضفة الأخرى من يابسة البحر، وكان مفهوم الناس للبر الثاني من البحر يجرهم مباشرة إلى بلاد الهند وفارس وافريقيا، وكان الجمال الخلاسي الصاعق لمريوم يبرر استيهاماتهم عنها بوصفها من سلالة كونية أفريكانية عربية هندية.
قال صاحبنا : كانت مريوم من بيت كريم ، وإن اسمها الذي نعرفه لا يمت بصلة لاسمها الأول المرقوم في لوح الغيب.
قال أيضاً: إن مريوم الطفلة كانت فتاة جميلة.. نمت وترعرعت كأي أيقونة نادرة في الوجود.. حتى إذا بلغت سن المراهقة لوت أعناق الرجال والنساء بجمالها الآسر، وبنيتها الخلاسية المُموْسقة بالجمال والدلال. ثم تداعت مع حالها واكتشفت فرادة سحرها، فكانت دائبة على ارتياد الساحل بحثاً عن عوالم لا تعرف لها كُنهاً ولا معنى. كانت تحاول التحليق كالنوارس.. تستشعر أنها ليست من جنس البشر المحاطين بدمامة الخلقة ووساخات الجسد.
لقد كانت بشرية من نمط آخر.. تتخطَّى الآخرين بميزاتها الممنوحة، وفتنتها الآسرة، وقوامها المتوازن حد التوازن.
كان البحر أنيسها الوحيد، وساعات الغروب الشفقية شجوها البصري الذي تستكمل به فرادة الحال، وعجائبية المآل. كانت مريوم تتموضع في القلب من تلك الفرادة، وكانت تنتصب في روعة المدى الأزرق، كما لو أنها صورة فوتوغرافية ملتصقة بالبُعد الثالث.. رافعة لمراياها، وهائمة في ملكوت رحيلها الشفيف نحو شمس المغيب الذهبية.
هكذ استمرت في دأبها المفتون بالطبيعة، وكأنها تتأبَّى على عوالم الناسوتيين الملطخين بالنتوءات والتشققات.
Omaraziz105@gmail.com