رغم أن اللحظة الراهنة في اليمن تستدعي المسارعة في وضع الحلول والخروج بالبلاد من منزلق الانهيار إلى عتبة الأمان, إلا أن الحاجة ملحة وضرورية لقراءة شاملة وعميقة لجوهر الأزمة تخلص إلى وضع الأساس القوي المتين للحلول والمعالجات.
لن نذهب بعيداً في قراءة جذور الأزمة الوطنية, بل سنتوقف عند منعطفها التاريخي عام 2011م, لنقرأ الدلالات التي حملتها المطالبة الشعبية بتغيير نظام الحكم القائم حينها تغييراً شاملاً وكاملاً لبنى النظام السياسي ووظائفه, مما يعني أن النظام القائم أصبح فاسداً وعاجزاً وفاشلاً حتى في حل الخلافات بين مراكز القوى والنفوذ في أعلى وأسفل هرم بنيته السلطوية.
وحتى لا نتوه في تفاصيل الفساد الشامل في بنية ووظائف النظام الذي انتفض الشعب مطالباً بتغييره في العام 2011م, نقول إن التغيير المنشود بقوة الإرادة الشعبية وإجماع القوى السياسية حتى تلك التي تمسك بالسلطة وإدارتها, يتحدد عملياً وواقعياً بعمليتين مزدوجتين هما:
الأولى تفكيك نظام الفساد, والثانية بناء البديل المنشود شعبياً وسياسياً لبناء منظومة الحكم الرشيد.
كانت الأزمة الوطنية الشاملة متجسدة في عنوانين هما أزمة الحرب في صعدة والقضية الجنوبية, وكان العمل على تقديم الحل العادل للازمتين يعني تغيير النظام من خلال إعادة بناء الدولة الوطنية بناءً يقيمها في الشمال حلاً لقضية صعدة, ويعيد تركيبها على الصورة التي قامت عليه بين الشطرين في مايو 1990م, حلاً للقضية الجنوبية, ذلك لأن جذري الأزمة متصلان اتصالاً تاريخياً وواقعياً بتغيب الدولة في الشمال ثم النكوص عن بناء دولة الوحدة مع الجنوب.
فشلت التسوية السياسية في مقاربة أزمة غياب دولة الوحدة اليمنية بحكم إصرار القوى القبيلية والعسكرية على إبقاء النظام القديم محذوفاً منه أسماء محددة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح, وأسرته دون مساس بجوهر بنيته القائمة على تغييب الدولة لصالح نفوذ المشيخ والاقطاع العسكري للأشخاص.
نجم عن هذا الفشل نمو أزمتي صعدة والجنوب نمواً تجسد في الواقع بقوى عسكرية لجماعة أنصار الله ملأت الفراغ الشاغر بغياب الدولة في الشمال, وبقوة سياسية وشعبية في الجنوب ملأت ذات الفراغ الشاغر بغياب دولة الوحدة الوطنية المغتالة بحرب صيف 1994م ونتائجها, وهذا هو وجه الأزمة الراهنة, والذي يستدعي التوافق بين مكونات الحراك وجماعة انصار الله وأحزاب المؤتمر والإصلاح والاشتراكي على مرحلة انتقالية محددة بعام تعيد بناء الدولة الوطنية على الشراكة بين الشمال والجنوب وعلى المواطنة في كل اليمن الجديد في المستقبل القريب.
albadeel.c@gmail.com