لكي تعيش في المدينة لابد أن تكون أخطبوطاً بأذرع متعددة، وعنكبوتاً ينسج أوهن الخيوط ليُحاصر ما يفوقه حجماً وقوة.. المدينة ليست مكاناً مناسباً لفراشات الشفق المحلقة بتؤدة ناعمة، ولا هي بيئة الكائنات “الجوفْمعْوية” الزاحفة بدون هيكل عظمي يسندها.. المدينة الضخمة مقبرة الفراشة واليرقة والعصفور.
المدينة رديفة الدوران السريع الذي يختزل المرئيات في تلك الحالة الدائرية المطلقة، فأنت هنالك في حالة كرٍ وفرٍ وإقبالٍ وإدبار، كما قال ذات يوم بعيد حكيم “الجاهلية” الأبيقوري أُمرؤ القيس .
كان أُمرؤ القيس يتحدث عن حالة الحصان في أثناء الحرب، لكأنه في مدينة تعيش حالة حرب دائمة، لأنه في تلك المدينة بالذات يتمثَّل خطاب «الحسين ابن منصور» القائل: يا أنت.. يا من « تُبارز من يراك ولا تراه».
يتفنَّن مؤلف رواية “ امرأة خضراء” في الارتقاء بجنازة العمة كوثر« المرأة الخضراء» التي يتدافع حولها الجموع، وتكثر فيها الاجتهادات، وتتقاطع معها الشواهد والمشاهد .. حد التراجيديا، والأهم من هذا وذاك سقوط ضحايا كُثر، بالترافق مع سقوط واحتضار الأنظمة.
جنازة الراحلة “كوثر” تعبير عن حالة الفوضى المقرونة بالمناسبات، وتجسيد لمعنى الجماهير الغفيرة المنطلقة من عقال النظام إلى خرائب اللانظام، وكيف تتحول هذه الجماهير إلى تنين يحرق الأخضر واليابس، دونما وعي بفداحات ومآلات العنف المنطلق من عقاله.