في تجارب شعوب ودول عديدة في العالم كانت الغلبة بعد كل نزال من الدم والاحتراب الجنوح للسلام والعودة إلى طاولة المفاوضات بدلاً عن متاريس الاقتتال..!
لقد شاهدنا ذلك في كمبوديا وفيتنام وفي عدد غير قليل من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا ، حيث كان صوت العقل والحوار خاتمة سعيدة لعقود طويلة من الاحتراب والاقتتال الأهلي وهدر الامكانات والطاقات والموارد البشرية وبصورة أضحت تلك التجارب بكل إرهاصاتها ونتائجها دروساً تُحتذى على مستوى اللجوء إلى الحوار والتسوية بوسائل سلمية غير عنيفة.
مع الأسف الشديد فإن دولاً في منطقتنا العربية لا تزال تحتكم إلى لغة القوة والسلاح دون مبالاة بحجم النزف اليومي من دماء أبنائها ومواردها وموارد دولها ودون أن تستفيد من تلك التجارب التي تدلل على أنه لا مناص في نهاية المطاف من الاحتكام إلى الحلول السلمية مهما طال أمد هذه النزاعات المسلّحة.
ويبدو أننا في اليمن أحوج ما نكون إلى تمثّل تلك التجارب ، خاصة ونحن نحذو في اتجاه تأجيج الصراع وإطفاء ما تبقى من نقاط الضوء في محاولة لاستنساخ التجارب المريرة التي عاشتها تلك الأوطان.. ومنها ــ على سبيل المثال ــ لبنان منذ منتصف سبعينيات القرن المنصرم ، فضلاً عن ما تعيشه حالياً سورية والعراق وليبيا، حيث لا صوت يعلو على صوت القوة والسلاح!
وعلى الرغم من قتامة المشهد على الساحة الوطنية فإن ثمة آمالاً بأن تحتكم هذه القوى والمكونات اليمنية إلى صوت الضمير والعقل والحكمة وذلك بالعودة مجدداً إلى طاولة الحوار والبحث عن المشترك مهما كانت التنازلات التي يقدّمها هذا الطرف أو ذاك باعتبار أن المنتصر في النهاية هو الوطن والمواطن الذي يعيش راهناً حالاً من الانبهار والدهشة وهو يرقب عن كثب أن كل لحظة تمر في ضوء مشهد التأزيم بفعل هذا النزوع الأناني للبحث عن المشاريع الصغيرة تنحو في اتجاه الكارثة الوشيكة.
ومع كل ذلك لاتزال تلك الآمال معقودة على إمكانية أن يستحضر الجميع الحكمة، وبحيث يعلو صوت العقل على ما عداه من خيارات مريرة.. وقبل فوات الأوان.