لا يحتاج أنصار الله إلى كثير علم ليكتشفوا أخطاء التقدير وخطايا التنفيذ التي صبغت نشاطهم منذ 21 سبتمبر 2014م, وحتى الآن, فالأزمة الراهنة بكل معطياتها وتعقيداتها وتداعياتها تكشف بكل وضوح عن ذلك باعتبارها كسب ايديهم وحصاد ما فعلوه عمداً وجهلاً في الأرض وبين الناس.
وحين نعترف بالحق الذي لأنصار الله في هذا فندين خصومهم وقوى أخرى بجرم التآمر على الجماعة والعمل على إفشالها من خلال الاستفزاز والاستدراج, وبالكيد والمماطلة كما بالتزوير والتشويه, أقول حين نعترف بهذا, فإنه لا يعفي الجماعة, أفراداً وقيادة, من مسئولياتهم الكاملة في إهدار الانجاز الذي صنعوه في 21 سبتمبر 2014م, خصوصاً وأن بعض الأخطاء ومعظم الخطايا التي اقترفتها الجماعة, كانت بغرور القوة ونشوة النصر ونزوة النفس وأطماعها. أتاح اتفاق السلم والشراكة الوطنية لأنصار الله فرصة كاملة للشراكة في السلطة والاندماج الوطني والسياسي في الدولة والمجتمع, لكن الجماعة اهدرت الفرصة, فعطلت الوسائل المتاحة لها للشراكة في الاتفاق, واستبدلتها بسلطة الأمر الواقع المتحققة لها بالقوة المسلحة بعد 21 سبتمبر 2014م, حين أقامت سلطتها على المؤسسات والمجتمع, بما أسمته لجاناً شعبية ولجاناً ثورية لا سند لها من شرعية سياسية أو إدارية.
في كثير من حواراتي مع قيادات محلية في أمانة العاصمة من أنصار الله وفي قراءتي لكثير مما كتب دفاعاً عن بقاء واستمرار اللجان الشعبية والثورية, تأكد لي أن المخاوف تمكنت من تفكير الجماعة وحساباتها للمكاسب والخسائر المترتبة على قراراتها وممارساتها في العاصمة ومحافظات أخرى, فالخوف من فوضى يدبرها الخصوم, أو جرائم ينفذها الإرهاب, دفعها إلى التمادي في توسيع صلاحيات اللجان الشعبية والثورية, وفي إسقاط مؤسسات السلطة الشرعية, لكن الخوف وصل بالجماعة إلى العجز التام لقوة مشلولة بالفراغ.
ربما يصلح ما أسمته جماعة أنصار الله إعلاناً دستورياً مثالاُ للنزق الذي تحكم بقرار الجماعة وأدائها, فهذه الخطوة بررت الجماعة اتخاذها بالرد على المماطلات السياسية في طاولة الحوار والإبقاء على فراغ السلطة القائم بعد استقالة الحكومة والرئيس, لكن هذه الإعلان وضع الجماعة في موقف أحادي وفي مواجهة الجميع, وأمام تعقيدات تباعد بينها وبين التوافق مع أطراف الأزمة وشركاء التسوية على مخرج مقبول ومتاح, وتفرض عليها التراجع وتقديم تنازلات مؤلمة كانت الجماعة بغنى عنها لولا هذا النزق الجامح.
albadeel.c@gmail.com