تتحدّد المسئولية الانسانية ابتداءً بالعمل, بما هو نشاط إنساني مفتوح للاختيار ومرهون بالجزاء, ومعنى ذلك أن الإنسان، أيّ انسان وكل إنسان, يكسب بعمله ما يريده بهذا العمل ومنه لنفسه ولغيره أو من النفس والغير, وعلى هذا وبه كان على الإنسان قبل اختيار العمل والإقدام عليه تقدير العواقب وتحديد عوائد العمل, ضرّاً أو نفعاً, كسباً أو خسارة, أو غير ذلك مما هو معلوم بالتفكير والتقدير.
لستُ هنا بصدد الحديث عن المسئولية الانسانية ومحورية العمل في أداء هذه المسئولية فما أريد قوله هنا هو إن الفعل الإنساني محكوم بالجدل الحتمي بين الفعل والعاقبة, وعليه لا يكسب المرء غير ما صنعته يداه ولا يحقق سوى ما أراده بالعمل، واختاره قبل ذلك بالدوافع والغايات.
وهذا يشمل الفعل الفردي والجماعي, ومن هنا كانت الشرطية التلازمية بين الفعل والجزاء, أساس المسئولية ومحور حركتها المحددة بالتصوّر تفكيراً وبالتصرّف تقديراً وكسباً, فلا يحصد الإنسان غير ما زرع، ولا يكسب خلاف ما أراده بالقول والفعل, ولهذا تعارف الناس بالعلم والخبرة على أن النتائج غير المرغوبة والعواقب غير المحمودة, تأتي من سوء تقدير الأمور وأخطاء الإنسان في التفكير والتقدير.
في المجال السياسي تكشف الممارسات مزايا وعيوب التصوّرات النظرية, لكن الواقع التاريخي للعمل السياسي يفيد بحقائق قاطعة في دلالاتها على أن كوارث السياسة يصنعها تجاهل السلوك السياسي لعواقب وعوائد الممارسة حيث تقود الأهواء الفردية والجماعية إلى أزمات ومآسٍ, كما يصنع الارتجال كوارث وويلات, وعليه كان تخطيط العمل السياسي حصانة للممارسة وتحصيناً لعواقبها من الفشل والانهيار, وذلك بإخضاع حركتها للتوقع والاحتمال, والسيطرة على مآلاتها بما توجبه الاحتمالات من دراية واستعداد.
ولعل أكثر تعقيدات التأزّم السياسي حضوراً في المشهد اليمني الراهن تكمن في غياب البصيرة السياسية عن القرار وعن الممارسة, بحيث تنعدم مقومات الاختيار عند القرار ويغيب تقدير العواقب عن الممارسة, فنصل في نهاية الحركة السياسية إلى مأزق وأزمات, تتضاعف تعقيداتها بعجزنا عن تقييم الأداء وتصحيح المسار, فلا أحد يعترف بأن سوء الأوضاع من صنع يده وكسبها, ولذلك يستنكف الساسة عن الاعتراف بالخطأ ثم يستكبرون عن التوبة والندم عليه في مسار لا ينتفع بالعلم ولا يستفيد من التفكير, ثم ينغلق عن المراجعة ليبرئ نفسه من مسئولياتها ويحملها لغيره من خصوم الداخل وأعداء الخارج.
albadeel.c@gmail.com