|
|
|
|
|
ألوان البدوي
بقلم/ دكتور/د.عمر عبد العزيز
نشر منذ: 10 سنوات و 11 شهراً و 15 يوماً الخميس 05 ديسمبر-كانون الأول 2013 02:10 م
مارس الفنان حسن البدوي التجريب، في إطار تأصيل رؤية متجددة في المفاهيمية الفنية القائمة على «فن البناء» والتناغم المموسق في الألوان، والتكوين المبتكر لعناصر البُعد الثالث. والمعروف أْن الفنان حسن البدوي خاض هذه التجربة في مستويات متعددة، وكان يتقدَّم دوماً على خط الفرادة الأسلوبية الموصولة باكتناز معرفي وذائقة سابقة على الممارسة، منذ الأعمال الأولي «النقطية» التي بدأت بالنقطة وإليها انتهت، وكان المُعادل البصري فيها محكوماً بتداعيات النقطة هندسياً، والمعطاة من خلال تخريم سطح اللوح ناصع البياض.. في هذه التجربة بالذات قدَّم البدوي رؤيته التعدّدية لمفهوم اللون، واْمعن في إثبات أن الأبيض ليس لوناً واحداً كما يُعتقد، مُعيداً الاعتبار للمدرسة الَّلونية الصينية القائلة بتعدّدية اللون الواحد، وهذا ينطبق على بقية الألوان التي بوسعها تقديم تدرجات لا متناهية. غير أن اختياره للأبيض ينم عن دراسة متعمقة للضوء والظل في أفق يتداعى حتى مع خرم إبرة!، فالشاهد أن الاستيعاب البصري والجمالي لتلك التجربة محكومة بالمُعادل الفيزيائي «تخريم». أيضاً بالمُعادل الضوئي الذي يميّز بين الثقب وما يحيط به، كما أن موسيقى السطح المرئي من خلال الأنساق الهندسية الهارمونية تضع المشاهد في قلب التملُّك الجمالي الذوقي لتلك التجربة، تالياً ذهب حسن البدوي بعيداً في تجربة الاستدعاءات اللامتناهية لقابليات الألوان، وتداخلها وتناغمها وتعارضها الفني من خلال بنائياته المحكومة بأبعاد المسطحات اللونية المتواشجة، مما يجعل التداخلات المحتملة أقرب إلى المصفوفات السيمترية المفتوحة، وبهذا القدر من التأمل في عالم الألوان التي تذكرنا برسالة «الفارابي» حول الألوان، يقف البدوي على أسئلة جوهرية طالما تناساها الفنانون، وبهذه المناسبة لا بأس من الإشارة إلى ما ذهب إليه الفارابي في مقاربته بعنوان «رسالة الألوان» والتي قال فيها: إن ألوان الطيف المعروفة تؤول إلى سديم «أبيض» وأن اللون الأسود ليس لوناً كما نتوهَّم!!، بل إنه حالة تفاعل بين الظلام والضياء، وبهذا المعنى أراد الفارابي أْن يجترح رؤية جديدة مداها مركزية الضياء في المعادلة اللونية، وبالتالي اعتبار اللون مُعطى من معطيات الطبيعة التفاعلية للضوء والظل، والغريب إن ذات الإشارة وردت عند كبار فناني المدرسة التأثيرية وخاصة «سيزان» وسورات فالأول قال: إن علينا أن نرسم ما نراه لا ما نعرفه، وبالتالي استبعد إجرائياً المفاهيم المسبقة حول الألوان، والثاني اعتمد النقطة كوسيلة لإبداع التداخل البصري بين عديد النقاط المنتشرة على سطح اللوح، مُعبّراً عن التفاعلية البصرية بين اللوحة والعين الآدمية، وهو أمر تبيَّن لاحقاً أنه أساس الأسس في المعالجات التقنية للألوان، سواء عبر أنواع الكاميرات الفوتوغرافية والتلفزيونية والسينمائية، أو عبر شاشات الوسائط المتعددة على كثرتها.
Omaraziz105@gmail.com |
|
|
|
|
|
|
|