عمل الرئيس عبدربه منصور هادي على اتخاذ جملة من الإجراءات التي صبت في جوهرها على المؤسستين العسكرية والأمنية، وكان واضحاً منذ البداية أنه يتوق لتغيير ناعم لا يستفز أحداً، غير أن هذا التغيير الناعم بدا لزجاً في بضع مناطق حسَّاسة من جسد المؤسسة والمجتمع، وهو الأمر الذي فتح الباب لمتواليات تمرد وخلط للأوراق، مما يستدعي مراجعة أساسية من قبله ومستشاريه، لوضع النقاط على الحروف حول معنى التغيير في أزمنة الرماد والرذاذ.
اتخذ الرئيس هادي سلسلة من القرارات، لكن المؤسسة السائدة، والتوافقية الملغومة بثقافة الماضي، والآليات المُتخشِّبة.. الإدارية البيروقراطية المقرونة بالفساد المستفحل تحول دون التطبيق، وبهذ ا المعنى نرى كيف أنه يتم تذويب هذه القرارات ومسخ فاعليتها من خلال البيروقراطية المأفونة بالفساد والتعطيل.
لقد اتُّخذت سلسلة من القرارات التي تطال هموم الناس وقضاياهم وحقوقهم، لكن التنفيذ يظل معلقاً لأسباب مجهولة، ولهذا السبب تتعطَّل العملية السياسية في جوهرها، وعلى ذات الدرب نرى بكل استغراب، كيف يتم التساهل مع مجرمي الكهرباء والنفط والغاز، بل والقتل اليومي المتجول بالسيارات والدراجات النارية. حتى الآن مازالت كامل التحقيقات المتعلقة بالإجرام المتجول مُعلَّقة في فضاء الافتراضات والتكهنات، وبنفس القدر يعيش المواطن حالة من الحيرة المقرونة بالفوبيا المرضية، الناجمة عن بورصة التسويق المُنْفلت للإعلام الصارخ المُخاتل. الشركاء الافتراضيون يتخلُّون عن واجباتهم، والتوافقية تُذبح عند عتبة التجاذبات البيزنطية لجُهَّال السياسة ومعناها، ومؤتمر الحوار الوطني ينتظر لحظة انفراجة تتويجية ترتقي بالتوافقية اليمانية الحكيمة، ولكن ما زال الدرب مفخخاً بالصواعق ـ والأجواء مترعةً بالغيوم الداكنة.
ما أتمناه ـ كغيري من المواطنين ـ أن ترتقي المكونات السياسية اليمنية إلى مستوى المحنة الكبيرة التي تحيق بالوطن، ومعرفة أن الأرض تتَّسع لمشاركة الجميع، وأن اللعبة السياسية الرشيدة تقتضي الاعتراف بأننا جميعاً في قارب واحد، وأن لا منجاة لأحد يتوهَّم أنه سيهزم الآخر.
ها هو عام جديد مترع بالآلام والآمال يطل علينا، وما يتمنَّاه كل مواطن شريف نظيف هو أن ننتقل إلى بر الأمان، من خلال الاستمرار في العملية السياسية التوافقية، واعتبار مؤتمر الحوار الوطني محطة تتلوها تبعات ومحطات، والنظر لأمر الخلافات على قاعدة مستقبلية، ونسيان الماضي بآلامه ومتاعبه الجمَّة.