منذ فترة كتبتُ مقالاً أشرت فيه إلى أنه وعلى الــرغم من الإصلاحات الهيكلية في منظومة القضاء خلال الفترة القليلة الماضية ،إلا أن شيئاً لـم يلمسه المواطن في إطار تعـزيز دور وسلطـة القضاء وانعكاساتها على قضايا المجتمع والتي ستمثّل بالنتيجة أحـد أبرز عوامل الاستقرار والأمن على مستوى الوطن ككل ،خاصة أن السلطة القضائية قـد تـم تغييب دورها طيلة العقود المنصرمة من عمر الثورة اليمنية.
وفـيمـا يُعلّق الجميع على النُخب السياسية ومختلف قطاعات وشرائح المجتمع كبير الأمل في انتشال الوضع الراهن من حالة التردّي.. يعلّق الجميع أيضاً على السلطة القضائية أن تكون إحدى الدعامات الأساسية لإصلاح هـذه الأوضاع ،ولذلك رأينا سلسلة من القرارات التي اتخذتها القيادة السياسية مؤخراً باتجاه تعزيز دور السلطة القضائية والعمل على استقلاليتها وإعطاء أعضائها دوراً بارزاً سواء في قوام لجان الحوار الوطني أو في تحمّلها معالجة كثير من مترتبات الأزمة وتحديداً تلك اللجان المشكلة من القضاء والمختصة بمعالجة قضايا المسرّحين والأراضي المنهوبة في المحافظات الجنوبية، فضلاً عن التعديات الواسعة التي تعرّضت لها أراضٍ شاسعة من الحديدة وتهامة بشكل عام.
و تبعاً لذلك، فإن اليمنيين يأملون بأن تؤتي هذه الخطوات ثمارها اليانعة في اتجاه اضطلاع هـذه السلطة بمسؤولياتها كاملة والدفاع عـن حقوق الأفراد والجماعات بمعزل عن أيه إملاءات أو تدخل وبما يصون حقوق الناس وممتلكاتهم ويدافع عن قيم الحق والعدل والمساواة، باعتبار أن ذلك هو المدخل الأساس لتحقيق تطلعات المواطنين في الاستقرار والتنمية والرخاء، فضلاً عـن أن اضطلاع هـذه السلطة بدورها كاملاً سوف يعيد الثقة إلى المواطن بعد أن كاد يُصاب باليأس والحنق.
ومع الأسف الشديد فإن تطلّعات المواطنين تلك يبدو أنها ذهبت أدراج الرياح وذلك بالنظر إلى استمرار حالة الشلل التام الذي أصاب مفاصل هذه السلطة جراء استمرار إضراب القضاة في مختلف مستويات التحاكم.. وهو ما يرتب أعباءً إضافية على المواطنين الذين يلجأون إلى هذه السلطة لإنصافهم.
وبالمناسبة فقد تلقيتُ منذ أيام اتصالاً من أحد المواطنين الذين تضرّروا جراء استمرار إضراب القضاة ،إذ أن ملف هذا المواطن وغيره ممن لجأوأ إلى هذه السلطة في انتظار الأحكام النهائية لقضاياهم ..إذ طلب إليّ رفع شكواه ومئات المتضررين غيره من استمرار هـذا الإضراب الذي يرتب مخـاطر عـديـدة تتجـاوز الفـرد لتشـمل المجتمع منها أن المتخـاصمين سيلجـأون إلى فض مشاكلهم بأيديهم، فضـلاً عـن أن مخـاطـر استـمرار هـذا الإضـراب سيؤثر على جهود محاصرة اتساع الخلل في قيم العدالة وإمكانية رفع المظالم عن الناس وبما يقود إلى فوضى عارمة تهدّد السلم الاجتماعي في الصميم فإلى متى يستمر إضراب القضاة؟ وهل يدركون أبعاده ومخاطره؟
مثل هذه التساؤلات الملحة لا تعني بالضرورة إغفال الحقوق المشروعة للسلك القضائي، خاصة فيما يتعلق بالجوانب المعيشية و الأمنية التي تحفظ دم وحرمة وكرامة العاملين في بلاط هذه السلطة.. وتلك مطالب مشروعة، لكن لابد من العمل بالقاعدة الفقهية التي تؤكد على:
- لا ضرر ولا ضرار..!