المساجد هي أماكن للعبادة ويفترض بها أن تكون باعثة في النفس الطمأنينة والهدوء والراحة, غير أن أغلب المساجد في بلادنا تتحول في رمضان إلى مصدر للإزعاج والضوضاء؛ بسبب مكبرات الصوت التي تظل «شغالة» في ترديد المحاضرات الوعظية أغلب الوقت، وأيضاً أماكن للتسول من قبل الجمعيات الخيرية على اختلاف مسمياتها باسم مساعدة الفقراء والمحتاجين وهم منها براء، فلا ينال مساعداتها إلا أصحاب الخطوة أو المقربين من القائمين على هذه الجمعيات.
القائمون على المساجد يبدو أنهم يعشقون إزعاج الساكنين بجوارهم بواسطة مكبرات الصوت، حيث نجدهم خصوصاً في رمضان وعقب كل صلاة لابد من إلقاء محاضرة أو خطبة عبر المكبرات، وكأن الأمر إجباري وهو يتسبب بالكثير من الإزعاج للناس القاطنين جوار هذه المساجد، فإن كان ولابد من محاضرة دينية فلماذا لا يتم إلقاؤها على الحاضرين دون مكبرات الصوت؟.. كما أنه إذا ماحدث عطل أو خلل في مكبرات الصوت لأي مسجد فإنهم يسارعون لإصلاحها واستبدالها بأخرى أكبر وأقوى من سابقتها، وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن تتم عملية الإصلاح والاستبدال والتجريب في أوقات غير مناسبة كأن تتم بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة الظهر دون أن يراعوا مريضاً أو شيخاً كبيراً أو موظفاً يعمل ليلاً ويعود إلى بيته فجراً لينال قسطاً من النوم والراحة، وإذا بمكبرات الصوت تقلق راحته وتذهب عنه النوم.
والمصيبة أن من يبدي امتعاضه أو اعتراضه على مثل هذه السلوكيات أو يحاول إسداء النصح لهم بضرورة احترام الساكنين ينظرون إليه وكأنه خارج على الملة، فمن غير المقبول ـ حسب وجهة نظرهم ـ أن يعترض أحد على كل ما يبثونه من المسجد عبر مكبرات الصوت وفي أي وقت يريدون، وأن من حقهم القيام بأي إزعاج أو ضوضاء طالما كان صادراً من المسجد وباسم الدين والوعظ والإرشاد، وليس مستبعداً أن يطلق هؤلاء «المزعجون» على كل من يعترض على أفعالهم بأنهم كفار زنادقة؛ لأنهم يعارضون ما يقوم به المسجد من وعظ وإرشاد.
إن مثل هذه السلوكيات المزعجة للآخرين تتطلب من الجهات المعنية الوقوف بحزم للقضاء عليها؛ لأنها في الحقيقة إنما تنفر الناس من ارتياد المساجد التي تصبح مرتبطة عندهم بالإزعاج، فأين هي وزارة الأوقاف ومكاتبها المنتشرة في المحافظات من مثل هذه السلوكيات المستفزة للناس؟.
إن ما يحدث في المساجد من فوضى وعبث يؤكد أن وزارة الأوقاف تخلت عن مسؤولياتها في الإشراف على المساجد التي أصبح كل واحد منها يغني على ليلاه، وكأن كل مسجد مستقل بذاته؛ بسبب أن القائمين على المساجد في بلادنا يتعاملون معها وكأنها ملك خاص لهم ومن حقهم تسييرها كما يريدون والسماح لمن يرضونه خطيباً أو محاضراً فيها، بل حتى واختيار من يتسولون فيها من الأفراد والجمعيات، حيث لا يستطيع أياً كان التسول في هذا المسجد أو ذلك إلا بموافقة القائم على المسجد، وقد حدث هذا الأمر أمام عيني.
كنا قد سمعنا أن «الأوقاف» أصدرت تعميماً قبل دخول شهر رمضان بضرورة التزام جميع المساجد بعدم رفع أذان المغرب إلا بعد سماع مدفع الإفطار؛ لتوحيد وقت الإفطار في المنطقة الواحدة، لكن بعض المساجد لم تلتزم بذلك وسمعناها ترفع الأذان قبل مدفع الإفطار، وهذا الأمر دليل على أن هذه المساجد لا تتبع تعليمات وزارة الأوقاف ولا تعترف بإشرافها عليها.
إن الحاجة ماسة لإعادة صياغة رسالة المسجد بشكل جذري ليصبح ذي وظيفة دينية واجتماعية وإنسانية وعدم ترك الحبل على الغارب؛ لأن ما يحدث في المساجد حالياً هو أن كل مسجد يقع تحت سيطرة أفراد أو جماعة يسيرونه كما يشاءون وفي الاتجاه الذي يريدونه ولا يستطيع أحد الاعتراض أو مخالفتهم حتى وإن أخطأوا، وبالتالي فإن وزارة الأوقاف ومكاتبها مطالبة بالقيام بمسؤولياتها في الإشراف على المساجد وإيجاد رؤية واضحة للوظيفة التي يجب أن تؤديها دور العبادة بما يخدم الوطن وينفع الناس بعيداً عن الحزبية والصراعات السياسية.
k.aboahmed@ gmail.com