لا يمكن توصيف الحالة الراهنة من التصعيد إلا في كونها حالة عبثية بامتياز، وإذا لم تكن كذلك فما معنى هذا الانقسام الحاد في الشارع اليمني وبخاصة بين أحزاب الائتلاف الحكومي، فضلاً عن تلك القوى التي ذهبت بعيداً في رفع سقف مطالبها التي تتعدى حدود المنطق!
بعبارة أخرى.. ما معنى أن تتوصل هذه الأطراف – أو تكاد – إلى تسوية تاريخية مدعومة إقليمياً ودولياً وتتنصل عنها في اللحظات الأخيرة على إنجازها؟! ألا يمكن توصيف هذا الوضع بأنه قراءة مبتسرة للواقع و محاولة لخلط الأوراق.. وفي أسوأ الأحوال هروب عن الالتزامات الأخلاقية والأدبية تجاه مجمل عملية التسوية السياسية، بل قل معي –إجمالاً- إنها حالة عبثية تنم –بالتأكيد – عـن فقـدان بوصلة التفكير الموضوعي بالمصلحة العامة مستبدلين ذلك بالانطـواء على (الأنا) والتمحور في شرنقة المصالح الضيقة حتى وإن جاء بعدهم الطوفان!
ومن المؤكد أن التمادي في محاولة عرقلة جهود التسوية، سواء بالاحتشاد الملغم حول مداخل أمانة العاصمة أو في مظاهر تلك التحالفات المريبة التي تلحق أفدح الضرر بالتماسك الوطني، فضلاً عن مترتبات إمكانية انهيار مسار هذه التسوية السياسية ..وبالتالي ذهاب الجميع إلى المجهول.
وفي هذا الإطار أيضاً، لا يمكن فهم محاولة الضغط المتواصل على الرئيس عبدربه منصور هادي لمحاولة حشره في زاوية ضيقة لاتخاذ خيارات مريرة، إلا في كون تلك الضغوط مجدداً محاولة عبثية لإعادة الأوضاع في الوطن إلى مربعها الأول.. وبالتالي إخراج قطار التسوية التاريخية عن قضبانه، الأمر الذي يفسح المجال واسعاً لحصر الخسائر وتضميد الجروح عوضاً عن حشد الطاقات في اتجاه إعادة البناء القائم على الشراكة الوطنية الكاملة وصولاً بقطار التسوية إلى مرافئ الأمان.
وأمام هذا المشهد الدراماتيكي، ثمة حاجة ماسة اليوم العودة إلى تمثُل الحكمة والمنطق والتعامل بمصداقية و واقعية مع خطورة اتساع نزيف الجرح والجلوس إلى طاولة حوار نكون فيه الغلبة لتعزيز التوافق ونبذ الاحتكام إلى لغة القوة لفرض القناعة والاجتهادات باعتبار أن ذلك لا يستقيم مع الجهود الوطنية المخلصة لانتشال الوطن والتجربة معاً من حالة اللاتوازن القائمة مع الأسف الشديد.