لحظة التفارق السلبي بين ابن رشد والغزالي لا تعبّر عن نهاية المقال في أمر الخصام، بل توفر لنا مناخاً إضافياً للتأمل في مقاربات الغزالي بعد «تهافت الفلاسفة» ، كما توفر لنا قراءة موازية لابن رشد تتجاوز «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال».
الاستعادات المنتقاة لما ذهب إليه البعض حول العلاقة بين ابن رشد والغزالي، تمثِّل رافداً متواضعاً من الروافد التي تصبُّ في مجرى النهر الكبير لمحمد عابد الجابري ، ولا تقف رؤية الجابري عند تخوم التأصيل المعرفي المُثابر للبُعد العقلاني في الثقافة العربية الاسلامية، فقد كان له أيضاً باع وذراع في مقارباته المتعلّقة بمستجدات الساحة العربية والعالمية، وكامل المفردات الإشكالية التي أحاطت بهذه المستجدات، وخاصة اللحظات العاصفة في التاريخ السياسي المعاصر كما هو الحال بالنسبة لأحداث سبتمبر الزلزالية التي يعتبرها ظاهرة وقتية لا تعبِّر عن صراع الحضارات، بل عن صراع بين الاستتباعات السلبية لتلك الحضارات، مُحمّلاً الغرب التقني والسياسي مسؤولية ما حدث، حيث أن النهضة التقنية العارمة جعلت الغرب السياسي يتعامل مع الآخر تعاملاً براغماتياً، يصل إلى حد الاستخدام المُمْعن، ثم التخلّي السافر، مما يُنتج ردود أفعال متعدّدة.
وبهذا المعنى يعتبر الجابري أن الإسلامي السياسي بمثابة رد فعل، دون أن يصدر حكم قيمة إطلاقية حول ماهية الدين السياسي.
وفي أُفق مُتَّصل يعتبر ظاهرة التطرُّف سمة كانت وما زالت حاضرة في منظومة الحضارات الإنسانية المختلفة، وينظر بعين الرائي المستقرئ للجغرافيا المكانية، معنى حضور التطرف في بلدان الأطراف، أو تلك المُهمَّشة، التي تستشعر الظلم والاستبعاد المنهجي من الفعل المُشارك، وبهذا المعنى يعتبر الجابري مقولتي المركز والأطراف مقولتين سياسيتين تشملان كل العالم، وهما أشبه ما يكونان بمتوالية أفقية ورأسية تعيد إنتاج نفسها على مدى التاريخ.
Omaraziz105@gmail.com