في تقديري إن الفلسفة تعني ببساطة شديدة التعاميم الكلية التي تحلّق حولها كل العلوم، وتُسمّى قلب العلوم؛ لأنها تنظر إلى ما هو عميق وما هو جوهري، لما هو متماهٍ تماهياً إيجابياً ومنسّقاً مع كل الظواهر، الفلسفة يتفرّع عنها كل شيء: الفن والرياضيات والموسيقى، ولهذا كانت تُسمى تاريخياً بالحكمة.
وحاول ابن رشد في مقالته الهامة أن يفضّ الاشتباك بين الحكمة والشريعة الدينية فكتب «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال».
وقال يومها: إن الحكمة إذا التقت مع الشريعة في المقاصد؛ فإنه لا خلاف بينهما، وإذا اختلفت مع الشريعة في المقاصد أو في الأهداف النبيلة فإنه قد ينشأ خلاف.
الفلسفة ببساطة شديدة تعني الحكمة.. تعني أن نتأمل، وأن نرى، وأن نستقرىء، وأن ننظر إلى وحدة الوجود، وأن ننظر إلى وحدة التواجد، وأن نحلّق بأجنحة وعقول من حرير وبرؤيا مفتوحة على الآخر.
وتعني أيضاً أن لا نرفض لمجرد الرفض، وأن لا يكون لدينا مُسبقات ذهنية، وأن لا نعتقد بأننا نرى كل شيء، ونعرف كل شيء، هذه هي الفلسفة.. هي علم الحكمة، والحكمة هي الحاضن الكبير لكل العلوم الأخرى.
فأيّ علم وأية ثقافة وأي ذهن أو أية معرفة إن لم تكن محمولة بالحكمة فهي محدودة.
الطبيب الحكيم غير الطبيب الماهر، والكاتب الحكيم غير الكاتب المهني، والفنّان الحكيم غير الفنّان الذي يعرف علم الألوان وعلم المنظور والكتلة.. الحكيم هو الذي يرى ما وراء الظاهر، والحكيم بمعنى من المعاني يجاور الفلسفة ولكنه إلى ذلك يجاور الروحانيات، وسنرى أن كبار المكتشفين وكبار العلماء الذين اجترحوا مآثر عظيمة، هؤلاء كانوا على تماسٍ مع التأمل، وعلى تماسٍ أيضاً مع التحليق إلى الآفاق الأخرى، وإلى البحث عن المعرفة بقوة الخيال المغروس في الغيب المجهول، واللا معلوم اللطيف كالإشارة، لأن ما لا يُعرف هو أساس ومفتاح المعرفة.. من هذه الناحية كانت الفلسفة ومازالت مُهمة لتوازن الإنسان، وأيضاً للتصالح مع الذات ومع الطبيعة ومع المجتمع ومع العالم.. ولا أقصد بالفلسفة هنا البرهان العقلي الصرف، بل التأمل الذي مثاله الشاعر الفنان والفليسوف المتصوّف طاغور الهندي