|
|
|
|
|
الإيهام والمخاتلة
بقلم/ دكتور/د.عمر عبد العزيز
نشر منذ: 10 سنوات و 11 شهراً و 3 أيام الثلاثاء 17 ديسمبر-كانون الأول 2013 03:02 م
من المعروف أن الفن وكلّ فن يلجأ إلى أدواته الخاصة فيما يعبّر عن الواقع، وأدوات الفن بما فيها الأدب تتسم بقدر كبير من فلسفة الاختزال والانتخاب والاختيار، مع قدر موازٍ من استدعاء المعرفي والجمالي لأشكال من الآداب والفنون التي تعاضد النوع الواحد، وهكذا يفعل السارد عندما يكتب نصاً، لكنه يزداد حيرة عندما يقرّر الكتابة عن التاريخ، وتتباين اتجاهات الروائيين في التعامل مع هذه المسألة، فمنهم من يعتمد أساساً على المعلومة المؤكدة تاريخياً، وينسج على هامشها متنه الروائي كما يفعل، وعلى سبيل المثال لا الحصر « أمين المعلوف» صاحب سلسلة الروايات التاريخية، ومنهم من يعتد كثيراً بالزمن الروائي الأُفقي كما فعل « باولو كيلو» في روايته ذائعة الصيت « الخيميائي» مُستأنساً بصورة أكبر على الخيال وميتافيزيقا الوجود، ومنهم من يُكاشف اللحظة التاريخية مُكاشفة جارحة كما فعل «هنري ميلر» صاحب رواية «مدار الجدي» التي كشفت عورة الرأسمالية المتوحشة من خلال مجتمع نيويورك في ستينيات القرن المنصرم، وكان للروائي والمسرحي اليمني علي أحمد باكثير قصب السبق عربياً في استقراء التاريخ العربي الإسلامي من خلال رواياته وخاصة روايتي «وا إسلاماه» و« الفارس الأبيض» ، بالإضافة إلى سلسلة أعماله المسرحية التاريخية التي تجاوزت الثلاثين عملاً، كما يجدربالذكر هنا سلسلة أعمال الروائي حبيب جاماتي بعنوان «تاريخ ما أهمله التاريخ».. لكن هذه التجارب على تنوّع تعاملها مع التاريخ ترهن التاريخ لمتقضيات فن الكتابة، وهي فيما تفعل ذلك تلتزم مسارات الفن استناداً إلى مايمكن أن أُسميه بالمخاتلة الإبداعية أو الإيهام الفني بوصفه ركناً ركيناً في صناعة الأدب، وهذا النوع من المخاتلة الإبداعية يستلزم قدراً كبيراً من فتح مسافات بين الحقيقة والخيال، ذلك الذي يضرب جذره في عمق التاريخ السردي للآداب الإنسانية، منذ «إلياذة هوميروس» وحتى آخر الكتابات السردية التاريخية المعاصرة وما تنطوي عليه من منطلقات بيانية في كيفية استعادة التاريخ، حيث نجد الكتابة الإسقاطية التي تريد استقراء الحاضر ومكاشفته عبر الماضي، والكتابة المحكومة بنزعة مركزية تريد اعتبار النموذج الواحد مثالاً للنماء والتقدم، والكتابة المتدثّرة بالمشاريع السياسية الأيديولوجية، وتلك من أكثر الكتابات الأدبية ابتعاداً عن فن تطويع اللغة والارتقاء بطاقاتها الإبداعية والدلالية.
Omaraziz105@gmail.com |
|
|
|
|
|
|
|