أسباب انتشار التطرف – أيّاً كان نوعه – في المجتمع اليمني اقتصادية ونفسية. الجذور الاقتصادية تتعلّق بالفقر؛ ولذا تأتي الجماعات المتطرّفة بحلولٍ لتغطّي احتياجات المجتمعات التي تستهدفها، وبالتالي تكتسب ثقة الناس وتأييدهم، والنفسية تقدّم الجماعات المتطرّفة مشروعاً ثقافياً يملأ الفراغ النفسي والعاطفي بالذات لدى الشباب بين سن المراهقة وحتى 22 من العمر؛ لأن الشباب في هذه المرحلة لديهم طاقات كبيرة وأحلام وطموحات ويحتاجون إلى مشروع يتبنونه في غياب المشاريع الأخرى بما فيها حب الوطن أو حب الخير أو حتى الإسلام المعتدل.
في النهاية كل ما في الأمر هو وجود فراغ لتقوم الجماعات المتطرّفة بانتهاز غياب الدولة والمشاريع البنّاءة لسد هذا الفراغ لمصالحها الخاصة.
لقد حاربنا في حضرموت وأبين وقبلها في البيضاء ومأرب ومؤخراً حاربنا في شبوة وغداً سوف نحارب مجدّداً، تستمد الحكومة اليمنية دعمها العسكري من أشقائها وأصدقائها على رأسهم السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وندخل في دوامة الطيارات دون طيار، وكم إرهابي نستطيع أن نستهدف، وإن سقط عدد من المدنيين على الماشي؛ ناسين أو متناسين أنه مع كل ضحية مدنية يزيد التعاطف مع الجماعات المتطرفة؛ لأن جذور الإرهاب لا يمكن حلّها بالقوة والحرب العسكرية؛ بل بالعكس، العمليات العسكرية تجعل من المناطق المستهدفة أكثر فقراً وأشد دماراً، ولانزال إلى اليوم نعاني آثار العمليات العسكرية التي حدثت في أبين والآلاف من اليمنيين الذين اضطروا إلى الهروب من منازلهم وأصبحوا لاجئين في المدارس والخيام؛ فهل نعتقد أن هؤلاء يباركون ما حدث لهم، هل ندرك أن هؤلاء ـ ضمنياً ـ قد أصبح ولاؤهم أشد للجماعات التي كانت توفر لهم الماء والخدمات والأمن سابقاً قبل تشريدهم..؟!.
وهنا نأتي إلى مسألة اللجان الشعبية، من المفترض أن اللجان الشعبية جاءت كحل موقت لتساعد قوات الأمن النظامية في طرد الجماعات الإرهابية بحكم أن اللجان الشعبية من أهل المنطقة وأدرى بشعابها؛ ولكن الذي حدث أن الجهات الرسمية حتى اليوم لم تعترف باللجان الشعبية التي يطالب أفرادها منذ أكثر من ثلاث سنوات بأن يتم توظيفهم في القوات الأمنية كمكافأة لهم على النجاح الذي حققوه بمشاركة الجيش والأمن، بل إنهم يشكون أن الأسلحة التي تصلهم من الجهات الرسمية غير كافية وغير حديثة، وهناك أكثر من تصريح لقادة اللجان الشعبية في أبين بأنهم قلقون من أنهم لن يستطيعوا السيطرة تماماً على أفرادهم؛ لأن هؤلاء في النهاية لم يحصلوا على التدريب العسكري الكافي أو الضمان النفسي من خلال الوظيفة الحكومية، وقد تم تسجيل عدد من الخروقات وأحداث التهجم والعنف من قبل هذه اللجان عندما شعرت بطعم القوة وفائدة البلطجة.
أنا ممتنة لقوات الأمن ولرجال اليمن الذين نذروا حياتهم ويعرّضون أنفسهم يومياً للخطر من أجل استقرار اليمن، وأشكر اللجان الشعبية التي هبّت للمساعدة والقيام مقام الجهات الأمنية في هذا الشأن؛ لكنني موقنة تمام اليقين أن الإرهاب لا يُحارب بالعنف، وسيرة نبينا الكريم أكبر شاهد على هذا، فأين رجال ونساء الدين من كل ما يحدث في اليمن، أين هم من الاحتياج الاقتصادي والفراغ النفسي والعاطفي الذي يعانيه شعبنا، متى تحوّل دور عالم الدين إلى مفتٍ بالأجر، لماذا لم يهبّوا ويتحرّكوا إلى جانب القوات الأمنية واللجان الشعبية ويتواصلوا مع المجتمعات المعرّضة والمتضرّرة لتقوية إيمانها وإرفادها بالدعم المالي والنفسي..؟!.
حركات التبشير النصرانية فهمت طبيعة الإنسان، ولذا هم في أفريقيا يقدّمون الدواء والغذاء إلى جانب الدعوة الدينية، فأين الحركة الإسلامية الحقيقية غير المبنية على أطماع اقتصادية أو امتداد لأطماع سياسية خارجية، متى آخر مرّة سمعنا عن عالم دين أو امرأة دعوة يمنية تهب من مالها إلي المشردين في أبين أو الأسر المحرومة في شبوة، متى آخر مرّة قرأنا عن مجموعة من رجال الدين قاموا بالخطبة في المساجد لتشجيع المواطنين على التبرع والتواصل مع إخوانهم في المناطق المنكوبة وكانوا على رأس المتبرعين..؟!.
المسألة ليست بهذه الصعوبة، يمكننا حتى الاتصال الهاتفي بشكل عشوائي إلى المتضرّرين لدعمهم وتأييدهم.. أنا أذكر قبل عدد من السنوات كانت هناك حملة للاتصال بإخواننا في فلسطين لنقدّم لهم دعمنا النفسي عبر الهاتف، ندعو لهم ونؤيدهم؛ لماذا ينشغل رجال ونساء الدين في اليمن بالنزاعات المذهبية والقضايا الشكلية مثل «كوتا المرأة وسن الزواج» بينما يتضوّر أطفالنا جوعاً في نفس الوطن، ما هو شعور الجندي الذي يحارب في معركة يوقن في قرارة نفسه أنه لن يفوز فيها؛ لأن العدو الذي يحاربه مثل الشبح يقضي عليه في مكان ليظهر له في مكان آخر..؟!.
يا من اتخذوا من الدين عملاً لهم، تذكّروا أن مسؤوليتكم أمام الله تجاه أوطانكم ليست في إصدار الفتاوى وأنتم جالسون في بيوتكم، سيروا في سبيل الله وتأكدوا أنكم إن تنصروا الله ينصركم، وتأكدوا أن الشعب اليمني سيلتم حولكم ويتبعكم عندما يوقن بمصداقية مشاريعكم الهادفة إلى إنقاذ الوطن.
yteditor@gmail.com