عندما يُنشر هذا المقال، أتمنّى أن تكون الأوضاع في اليمن قد وصلت إلى برّ الأمان من خلال تسوية سياسية توافقية مشابهة لذات التسوية التي أثبتت جدواها، وأظهرت مغزاها العميق خلال السنتين الماضيتين، ووضعت اليمانيين في مكانة أدبية متقدّمة في العالم برمّته.
فقد كان الاعتقاد السائد في زمن العاصفة التحوُّلية العربية أن اليمانيين سيكونون أول المُتقاتلين في الساحة، وأنهم أقرب إلى متاهة الحرب الأهلية من غيرهم من البلدان العربية، لكن لحظة من تاريخ الحكمة اليمانية عصفت بتلك الصورة الذهنية النمطية، وكان القبول الشجاع بالتعايش والاستجابة لنداء العقل خياراً أثبت المعنى العميق لثقافة التنازلات المتبادلة من أجل المصلحة العليا للوطن.
ولم يكن هذا الأمر جديداً على التاريخ اليمني منذ قديم الزمان، فقد عُرِف اليمن التاريخي بأنه كان مستودعاً حضارياً لتعايش الأديان التوحيدية لما قبل الإسلام، بالإضافة إلى العقائد الوثنية بتنوّعها، كما تداعت الحالة الحضارية اليمانية في تلك الأزمنة البعيدة مع الحضارات الفارسية والهيلينية الرومانية، وكذا الثقافة الكوشيتية الأفريكانية التي تمركزت بالهضبة الجبلية الكبرى في أثيوبيا وما جاورها من بلدان، ولعل الخط المُسند المنتشر في بلدان شرق أفريقيا خير شاهد على ما نذهب إليه.
كما أن الُّلقى الأثرية الموروثة من تلك الحقبة التاريخية تدلّل على درجة الانفتاح الحضاري الأُفقي الذي مثَّله اليمن التاريخي على عهد الممالك السبئية والحميرية والقتبانية والمعينية والحضرمية.
كما عُرف اليمن بالتحاقه الطوعي الجماعي بالتوحيد الصافي للدين الإسلامي، مُستنداً على كامل المقدّمات الدينية التوحيدية السابقة على الإسلام، فيما كانت التعدُّدية العقدية الدينية رافعة إيجابية في هذه الطريق بدلاً من أن تكون عائقاً على درب النماء التوحيدي المنطقي.
وفي صدر الإسلام تداعى اليمانيون مع مشروع الخلافة الكبير من موقع المساهمين الاستثناء في رفعة الدين الحنيف، حيث أسهموا في الفتوحات الإسلامية بقدر هائل من الحضور الحاسم كما أورده ابن كثير في تاريخه، مُشيراً إلى أن اليمانيين شكَّلوا دوماً ميسرة الجُند في جيوش الفتح الإسلامي؛ ما يعني أنهم كانوا يُمثِّلون ثمانين في المائة من قوام جيوش الفتح، وللحديث صلة.
Omaraziz105@gmail.com