كعادتي كل عيد أجبر فيه على البقاء في صنعاء مغترباً عن أهلي في القرية، أذهب إلى أهل القرية ورفاق العمر لكي أتحسس ما تبقى من معالم وذكريات في تلك الوجوه ولأن العمر الذي جمعنا معاً، ترعرع في الهم الوطني، فإن هذه اللقاءات تكون أحاديثاً صاخبة في الشأن العام.
منذ العام 2011م ولقاءاتنا العيدية مشتعلة بأحداث ومسارات ما عرف بـ«الربيع العربي» وقد كان كل الرفاق في موقع التوق الجامح للتغيير والشوق الحالم بالخلاص، غير أني اتخذت موقفاً معاكساً واتجاهاً مضاداً للجميع وقد عانيت كثيراً لأن أصدقائي هناك أحزنهم ما رأوه مني حينها هروباً من مواقع التغيير وتخاذلاً عن ثورة كنت الهج بها فيما سبقها من عمر وتاريخ.. في كل عام كان أصدقائي يتراجعون عن مواقفهم إلى ما سبق أن حددته من مواقف وتوقعات، لكن عيد الفطر هذا العام جاء منطفئاً حتى عن العتاب، ومنكفئاً على الصمت بعيداً من أي هم أو كلام، كان الجمع فقد في لحظة كل ما كان يبشر به وضاع منه ما ستحق الدفاع عنه على واقع تحرك بعيداً عن الطموح والأحلام.
حزنت لهذا الصمت وفجعت بانطفاءة الشوق في أعين الصحب وألسنتهم وقد كان من حقي الابتهاج بنشوة نصر نالتها مواقفي ورؤاي للواقع والمآلات، وقد سلم بها الجميع، لكني عشت لحظة حزن لأن الانكسار الذي خيم على وجوه كانت متقدة بالوعد والأمل أشعرني بفداحة الخسارة وجسامة الأخطار.
عدت من مقبل العيد مسكوناً بالذهول والحيرة وحاولت قراءة ما جرى ويجري لأجد في الأحداث والخطاب سبباً لهذا الانكسار، لكن الدكتور. ياسين سعيد نعمان أرشدني إلى هذه الحالة بما حواه كتابه القيم “ عبور المضيق” من رؤى نقدية للتجربة، حيث أشار إلى أن الحراك الاحتجاجي الشعبي وضعنا في مضيق تعسر فيه الخروج إلى البديل والوعد الجديد.
هل كنت قاسياً وأنا أكشف للصحب الأخطاء والخطايا التي تتحكم بمسارات التغيير المنشود ؟ لا، ولكنهم تجاهلوا رؤيتها حتى اصطدموا بالمضيق الذي أوقف عبورهم إلى اليمن الجديد، ربما يعيدهم التفكير بالحدث ومساراته إلى لحظة التوهج التي تمكنهم من تجاوز التعسر الراهن والانطلاق ثانية إلى ثورة قادرة على اجتياز الطريق وعبور المضيق .. ربما.
albadeel.c@gmail.com