لم تكن غزة وهي تتصدّى ببسالة لوحشية العدوان الصهيوني بحاجة إلى شيء أكثر من حاجتها لموقف عربي موحّد وقوي وخلافاً لتاريخها مع هذه الحاجة التي لم يشبعها لها أحد، فإن العدوان الصهيوني الأخير كشف عورة غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين فلسطين المحتلة ومحيطها العربي.
فلأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني غاب عن المقاومة الفلسطينية التضامن الشعبي والتأييد الجماهيري المعهود للشعوب العربية، وكان هذا الغياب مبرّراً بالانشغال الشعبي بمآسي الاقتتال الأهلي الذي يكتوي بجحيم حروبه كل من العراق وسوريا ولبنان وليبيا ويتهدّد كل تونس ومصر واليمن وتتخوّف منه بقية الأقطار العربية.
إذاً كانت غزة بحاجة إلى موقف مساند وداعم، وهذا الموقف بصفته القومية كموقف عربي سيكون موحّداً وقوياً حال تجسيده للعروبة مبنى ومعنى، وهذا يعني فيما يعنيه أن فلسطين المحتلة هي قضية مركزية للأمة العربية تتحد بها أهداف النضال العربي المعروفة بأنها تحرير فلسطين والوحدة القومية والنهوض الحضاري المعاصر والشامل.
وبعبارة أخرى.. إن الأقطار العربية قد تتوحّد في شكل من أشكال الوحدة؛ لكن هذه الوحدة مرتبطة عضوياً بحرية فلسطين؛ لأن التجزئة ارتبطت تاريخياً وعملياً باغتصاب فلسطين وتحويلها إلى ثكنة استيطانية دائمة في الأرض العربية لخدمة مصالح وأهداف التحالف الاستعماري الذي عبّر عن نفسه في «سايكس بيكو ووعد بلفور» واستمر على ذلك حتى اللحظة الراهنة؛ لذلك لم يكن ولن يكون العدوان الصهيوني على غزة بعيداً عن عدوانية صانعيه وحماته على محيط فلسطين العربي ولا منفصلاً عن سياقات ما جرى ويجري في هذا المحيط منذ العدوان على العراق عام 1990م.
منذ العام 2011م وفلسطين المحتلة تفقد مركزيتها في المحيط العربي لصالح الكيان الصهيوني، وخصوصاً في سوريا والعراق وليبيا، ومع ذلك فإن قدرة الصمود الأسطوري والتصدّي البطولي للمقاومة والشعب في غزة لم يستطع فقط استعادة مركزيتها العربية وإنما خلق حالة من إنسانيتها التي اتسعت في كل العالم لتخلق حالة من الإدانة الكبيرة والكاملة لجرائم العدوانية الصهيونية، خاصة بين مواطني دول الحلف الاستراتيجي للكيان الصهيوني في أوروبا والولايات المتحدة، وهنا ينفتح المسار من فلسطين على المركزية العربية بإنسانية تتوحّد على الحق المشروع في مقاومة العنصرية الاستيطانية والوحشية العسكرية.
Albadeel.c@gmail.com