|
|
|
|
|
عبقرية التنوع
بقلم/ دكتور/د.عمر عبد العزيز
نشر منذ: 9 سنوات و 10 أشهر و 23 يوماً الخميس 29 يناير-كانون الثاني 2015 10:03 ص
التمعن في الأدب الروائي القادم من أمريكا اللاتينية والمكتوب باللغة الإسبانية يفتح لنا باباً للتعرف على الهوية وعلاقتها باللغة.. ذلك أن بلدان أمريكا اللاتينية تمثل النموذج الأقصى لتمازج الهويات المختلفة واعتمادها أداة تعبيرية لغوية واحدة؛ فالهويات في تلك البلدان مجيرة على الغزاة الأوروبيين والهنود الحمر من السكان الأصليين وكثرة كاثرة من المهاجرين العرب والأتراك وغيرهم.. ولقد تعايش هؤلاء الناس على أساس من التفاهم الذي مزج الهوية باللغة الإسبانية حتى إنها حلت محل العديد من اللغات المحلية وأفقدت المهاجرين القادمين من خارج المنابت اللاتينية اللغوية لغاتهم الأصلية، فأصبحت الإسبانية لغة الجميع والهوية الأمريكية اللاتينية هوية الجميع.
لم تكن اللغة الإسبانية سبباً في التحاق سكان أمريكا اللاتينية بفلسفة حياة الغزاة من الإسبان والبرتغاليين بل العكس، حيث استوعبت الإسبانية «اللاتين/أميركية» سلسلة الأنساق الثقافية التي تحضر على الأرض وفي الذاكرة حتى أنه يمكن اعتبار الأدب المكتوب بالإسبانية هناك أدباً أمريكياً لاتينياً وليس إسبانياً برغم كونه مكتوباً بالإسبانية.
هذه الحقيقة تجعلنا نفكر في طاقة اللغات الإسبانية وكيف أنها تتسع لما وراء قواميسها وثقافتها الخاصة الموصولة بآداب تلك اللغة.
أي نعم.. اللغة واحدة بالمعنى النمطي للكلمة.. لكنها ليست واحدة بالمعاني الإبداعية والثقافية.
ذات الأمر ينسحب على فرنسية الأديب الزنجي الفرانكوفوني «سنغور» كم ينسحب على أدب جورج أمادو.. ونفس الحال يمكن ملاحظته في الآداب المكتوبة باللغة الإنجليزية في بلدان تتأسس على ثقافات مغايرة للثقافة الانجلوسكسونية.
وفي تاريخ العرب مساهمات كتابية كبرى كانت جميعها بالعربية لكنها عكست دوائر واسعة من آداب وثقافات الشعوب المشرقية، وتأثرت بالآداب اليونانية والرومانية البيزنطية، وتنوعت في مباحثاتها ومقارباتها وتعددت في إبداعها كما أسهمت بقدر وافر في تطوير البيان العربي.
يتحرك البيان والبديع إذاً، وينفتح على الهويات المتجددة.. يسلك دروباً معقدة ولا يلغي الخصوصية أبداً.. فبوسعنا أن نكتب بالفرنسية أو الإسبانية أو الصينية.. لكننا لا نستطيع أن نتقمص إبداع الصينيين أو الفرنسيين دون أن نؤثر ونتأثر بهم، ودون أن نضع بصمة خاصة ترتبط بجذر عميق الغور بالخصوصية العربية التي لا يمكنها أن تموت أو تنطفئ.
بهذا المعنى تبدو اللغة وعاءً واسعاً يعتمر بكيمياء التعدد والتنوع الرائع.
هل هذا هو سبب الروعة والأثر الكبير لأدب أمريكا اللاتينية؟ أليس ذلك ترجماناً آخر لما وصلت إليه الآداب العربية في أيام مجد الأسلاف الكبار الذين اغترقوا من ثقافات الشعوب وأكسوا العربية بهاءً ورونقاً مازال يتألق إلى يومنا هذا؟.
Omaraziz105@gmail.com
|
|
|
|
|
|
|
|