تكتنز المكتبة العربية الإسلامية بدراسات واسعة ضافية عن أساليب «البلاغة في القرآن الكريم» غير أن دراسة أساليب التشويق البلاغي في الأحاديث النبوية من المباحث الفريدة التي تزدهي بها المكتبة الإسلامية، عطفاً على المخطوط الرفيع المُقدَّم من الدكتور عبدالحفيظ أدَيْنِيِيِ أحمد أَدَيْدِمَيْجِ من مدينة اوسوبو بنيجيريا.
ومن الجدير بالإشارة هو أن كامل الأحاديث الواردة في المتن تنويعاً على موضوع الدراسة؛ مستقاة حصراً من صحيحي البخاري ومسلم، وهو ما أشار إليه الباحث في العنوان، كما يشتمل البحث على ثلاثة مستويات لأساليب التشويق البلاغي في الأحاديث النبوية، وتنقسم المستويات الثلاثة إلى:
• علم المعاني: حيث يتوقّف فيه المؤلّف أمام طاقة الإضمار في الأحاديث النبوية، من خلال نماذج محدّدة، وفي هذا البُعد نلمس كيف أن هذه الطاقة موصولة حصراً بالقدرة على الحدس، والخيال، والتشويق، من خلال ترك فجوات إيحائية في المعنى، مما ينعكس في سياق اللغة الكلام، ويكون له آثار دلالية متنوّعة عند المُتلقِّين.
والمعروف لساناً أن «العربية» لغة إضمار واختصار بامتياز؛ بل إنها تكاد أن تكون اللغة الوحيدة التي تتميّز بفرادتها الجذرية الثلاثية، وبمعطياتها الصوتية السابحة في فضاء اللا مكتوب ظاهراً، لهذا السبب لجأ نُسَّاخ القرآن الكريم إلى كتابة كامل الصوتيات غير المرئية في الرَّسم التقليدي للكلام، وإضافة النُّقاط إليها، بحيث أصبح القارئ للنص القرآني في منأى عن الاجتهاد الصوتي الذي يسمح بالَّلحن وتغيير المعنى.
يستدعي الباحث هذه الحقيقة في معرض حديثه عن «الحذف والاختصار» ليضعنا في مربع المعاني المتعدّدة القادمة من أساس وتضاعيف الحديث النبوي.
• علم البيان: ويكمن حصراً في عوالم التشبيه الكامن في جدلية الترحُّل من كلام الخفاء إلى عوالم الجلاء، فالتشبيه يستطرد على بيان اللغة من خلال التصوير الاستعاري من شكل إلى آخر، ومن حالة لأُخرى، فيما يتموْضع في عوالم التنويعات المقبولة لغوياً وعقلياً.
الكلام الناقص تشوُّف ضمني للكمال، والتشبيه قرين المجاز، والمجاز تعبير عن أقصى المعاني الموصولة بنسبية التلقِّي.
• علم البديع: وأخيراً وليس آخر نتوقَّف مع المؤلّف عند تخوم هذه اللطيفة الكبرى في كلام الرسول الكريم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، حيث نجد تلك الصفة المفاهيمية المختصرة المركوزة في ثنائية «الَّلف والنشر» والمقصود بالَّلف «الضَّم والجمع» وفي المقابل يصبح النشر موازياً لعكس ذلك؛ أي البسط والتفريق.
أمام هذه الثنائية التعارضية شكلاً، نقتبس الكمال في جدلية الشيء وضدّه، وهذه دالة برهانية من دوال الوجود القائم على التعارض والتكامل الجبريين، ففي الحساب «الزائد والناقص» وفي الجبر «التفاضل والتكامل» وفي الكهرباء «الموجب والسالب» وفي الذرّة «الالكترون والبروتون» وفي صيرورة الجسد الآدمي تَنَاوب الخلايا الحيَّة مع الميتة، وفي العزف الموسيقي السمفوني تناوب الهارموني مع الكنترابنكت؛ أي تناوب الغنائية النابعة من الوتريات المتناوبة مع آلات العزف والتوقيع المتعارضة مع الغنائية التامَّة بحثاً عن تعبيرية درامية خاصة.
تلك بعض المعاني التي نستقيها من هذا المبحث الذي يلتحق بسلسلة القلائد الجملية في الإصدارات الإسلامية.
Omaraziz105@gmail.com