اللحظات الأخيرة التي يضغط فيها رعاة المبادرة الخليجية على الأطراف جميعها للإسراع في التوصل إلى مخرجات آمنة وإيجابية للأزمة اليمنية.. في هذه اللحظات يبدو الفرقاء بمختلف تكويناتهم على الساحة الوطنية وكأنهم يقفون على عكاز واحد، خاصة وهم يقفون أمام خيار تحديد شكل الدولة الجديدة وبالذات بعد الاتفاق على صيغة وضرورة أن تكون دولة اتحادية.. وتزداد تعقيدات المشهد بعد أن تم التوافق مسبقاً على استبعاد خيارات إعادة إنتاج الدولة البسيطة أو المطالبة بشرط استعادة الدولة، حيث يعاد طرح هذه الاشتراطات في إطار الخيارات المتاحة أمام اللجنة المصغرة للقضية الجنوبيـة.
وعلى أية حال، فإن اعتماد مخرجات مؤتمر الحـوار الـوطني الشامل دون الأخذ بعين الاعتبار معالجة الجانب المهم من القضية اليمنية والمتمثلة في المسألة الجنوبية لن يكتب لها النجاح مهما كانت طبيعة ومستوى نجاح مخرجات باقي القضايا والملفات المطروحة أمام المؤتمر.
وتبعا لذلك، فإن الحرص على مصالح اليمن العليا ينبغي أن تكون هي المنطلق والدافع الأساس لكل شركاء العملية السياسية دون الارتهان إلى مجموعة الضغوط الماثلة، سواء في امتداداتها الخارجية أو على مستوى الشارع الداخلي.. وذلك بالتوصل إلى صياغة عقد اجتماعي جديد يضمن ترسيخ قيم العدل والحرية والمساواة وكفالة حقوق الإنسان واعتماد مبدأ الشفافية والحكم الرشيد.
إن الارتهان للرغبات خارج سياق المنطق والموضوعية وضد الرغبة الحقيقية لمصالح الشعب وتحدياً لإرادة الإجماع الإقليمي والدولي لمسار التسوية السياسية لن يكتب لها النجاح خاصة وأن هذا الإجماع الأممي لا يزال يؤكد على الوقوف سنداً قوياً إلى جانب اليمن في إنجاز هذه التسوية التاريخية.. كما أن هذا الارتهان إلى تلك السياقات غير الموضوعية سيجعل من اليمن حالة مشلولة وغير قادرة على مواصلة هذه التجربة المتفردة على مستوى دول ثورات الربيع العربي، بل وسيخيّب ظن الإجماع الوطني وإرادة الإقليم والعالم.. هذا إذا لم تنحدر القراءة المغلوطة للمشهد الراهن بالتجربة إلى أتون أزمات متلاحقة وحروب لا هوادة فيها!.
فهل نعي دقة وحساسية هذه المرحلة ونعمل بروح الفريق الواحد وبالمسؤولية الوطنية لاستكمال إنجاز هذه التسوية بالتغلب على ما تبقى من ملفات.. أم أننا سنغرق في لجة الحسابات الشخصية والحزبية والجهوية الضيقة؟!.