• منذ عقود من الزمن ونحن نسمع ونقرأ أن التعليم الفني والمهني هو خيار المستقبل، وأن اكتساب المهارات الفنية والتقنية هو مفتاح النجاح والرُقي والتقدّم في أي مجتمع، وأن التوجه اليوم والأولوية لهذا النوع المهم والحيوي من التعليم الذي نحن في حاجة ماسة إليه لتلبية احتياجات سوق العمل المحلي والخليجي والإقليمي، الأمر الذي يعني ضرورة التوسع فيه وإيلائه الاهتمام المناسب.
• كنّا نتوقع أن يترافق الحديث عن التوجه نحو الاهتمام بالتعليم الفني والمهني مع إجراءات حقيقية ملموسة تترجم جدية هذا التوجه، إلا أن ما نشاهده على أرض الواقع يعكس الوضع المزري الذي يعيشه هذا النوع من التعليم، لنكتشف أن كل ما يُقال عن الاهتمام بالتعليم الفني والمهني ليس سوى مجرد كلام نظري، فالمعاهد المهنية تعيش أسوأ أوضاعها وعلى جميع المستويات.
• كما كنّا نظن ـ وبعض الظن إثم ـ أنه ومع مرور سنوات على إعلان هذا التوجه سنجد التعليم المهني ينافس التعليم الجامعي إن لم يكن منافساً للتعليم العام سواء من حيث التوسع في إنشاء المعاهد المهنية أم زيادة الطاقة الاستيعابية للراغبين في الالتحاق بهذا النوع من التعليم أو بتطوير المناهج أو تكثيف الجهود للتوعية بمزايا هذا النوع من التعليم وأهميته في الوقت الراهن وغيرها من مؤشرات الاهتمام، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل..!!.
• نتحدّث عن ضرورة التوسع في التعليم المهني؛ بينما على أرض الواقع نجد أن معاهد التعليم الفني والمهني محدودة العدد ولا تستقبل سوى نسبة بسيطة من الراغبين في الالتحاق بهذه المعاهد، وقد نبالغ إذا قلنا إن خطوات التوسع والتطوير في هذا النوع من التعليم تسير بسرعة السلحفاة، لأنها في الأصل لا تسير قُدماً؛ بل تتراجع إلى الوراء في ظل إمكانات شحيحة وقيود بيروقراطية مقيتة تعرقل أي جهود للارتقاء بالتعليم المهني ومستواه، ومهما كانت المنجزات على الورق في هذا الجانب؛ إلا أن الواقع السيئ يفضح كل شيء، فأين ما نتحدّث عنه من التوسع والاهتمام بالتعليم الفني والمهني..؟!.
• الوهن الذي أصاب التعليم العام في بلادنا هو ذاته أيضاً يعانيه التعليم المهني، ضف إلى ذلك استمرار التصاق النظرة الدونية بالتعليم المهني سواء من قبل المجتمع أم حتى من قبل الجهات المعنية، حيث لايزال المجتمع يرى في المنتسب إلى التعليم المهني أنه أقل شأناً من نظيره في التعليم العام أو الجامعي، وهذه حقيقة لم تستطع الجهات المعنية محوها رغم إنشاء وزارة خاصة بالتعليم المهني ورغم الحاجة الماسة والعملية إلى هذا النوع من التعليم لتأهيل أكبر عدد ممكن من الشباب وإكسابهم المهارات المهنية والتقنية التي تمكّنهم من الانخراط والمنافسة في سوق العمل.
• صحيح أن هناك أعداداً كبيرة من الطلاب يتزاحمون على الالتحاق بهذا النوع من التعليم؛ إلا أن أغلبهم مجبرون وليسوا عن رغبة حقيقية، إما لعدم تمكنهم من الالتحاق بالتعليم الجامعي نظراً لضعف معدلات نجاحهم في الثانوية العامة، أو استجابة لرغبة أسرهم في اكتساب مهنة وحرفة في أقل وقت ممكن مقارنة بفترة التعليم الجامعي الذي لم يعد ضماناً للحصول على وظيفة في ظل تكدُّس خريجي الجامعات على أرصفة البطالة.
• أيضاً المناهج المعتمدة في هذه المعاهد لاتزال كما هي منذ سنوات ـ بل ربما منذ نشأة هذا التعليم في بلادنا ـ لم تخضع لأي تطوير أو تحديث أو تجديد، فهل من المعقول أننا ورغم كل السنوات التي مضت على وجود التعليم المهني في بلادنا ورغم كل الخريجين الذين تخرّجوا من هذه المعاهد لا نمتلك خبيراً واحداً يستطيع القيام بمهمة تطوير هذه المناهج وتحديثها بما يواكب التقدم العلمي والتطور التكنولوجي..؟!.
• وإذا كان هذا صحيحاً فلماذا لانزال مستمرين في هذا النوع من التعليم طالما أن مخرجاته ليست بالمستوى المطلوب، أم أن المشكلة شحة إمكانيات، أم أن هناك أسباباً أخرى لا يعلمها إلا الله والقائمون على التعليم الفني والمهني..؟!.
• الاهتمام بالتعليم المهني يحتاج إلى التوسع في إنشاء المعاهد المهنية والتقنية وزيادة نسب الالتحاق بها، وترغيب الشباب بالتخصصات المهنية والتقنية، والاهتمام بتطوير المناهج والمواد الدراسية، أي أن الاهتمام بالتعليم المهني والفني يحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد الكلام..!!.
k.aboahmed@gmail.com