ليس كثيراً على اليمنيين أن يحتفوا بنشوة الانتصار الحضاري غير المسبوق الذي تحقق مع ظهور مؤشرات مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل بعـد مخاضات طويلة وعسيرة من السجال الحضاري المتسلح بحجة الرأي وسلمية الاختلاف، عوضاً عـن التراشق بالسهـام والرصاص.
صحيح أن من حق اليمنيين أن يفخروا بثمرات هذه التجـربة السياسية الثرية في دلالاتها وأهدافها والتي قادتهم إلى مثـل هــذه النتائج التي تقوم على التوافق من أجل مصالح الوطـن والأمة، لكن الصحيح أيضاً أن تبقى ثمار هـذه التجربة وهي تتلمس خطواتها محروسة بعين الاهتمام والرعاية وحشد كل الجهود والطاقات الوطنية في سبيل استكمال جني ثمارها المرجوة عند نهاية المطاف.
و الصحيح كذلك أن اليمنيين يخامرهم هذا الشعور وسط حالة التأزم والاحتراب العربي الذي يدور في أكثر من ساحة جراء الانقسام الحاد والاحتكام إلى القوة في ظل غياب الحكمة في اللجوء إلى الحوار بدلاً من الاحتكام إلى السلاح، لذلك فالحالة اليمنية التي نجحت في محاصرة تداعيات الأزمة التي نشبت مطلع العام 2011م وتمكنت باقتدار من إدارة الحوار الوطني، كانت تجربة –ولا تزال- محط اعتزاز وفخر كل المتابعين في الأوساط الخارجية التي اعتبرتها سمة إضافية تحسب لليمنيين اللذين استطاعوا الاستفادة من اللحظة التاريخية في إدارة اختلافاتهم بوسائل سلمية ديمقراطية وهو ما لم يتمكن الآخرون من تمثله أو استيعابه.
بالطبع لم يكن سهلاً إدارة هـذا السجال على أرضية رخوة من التباين، تغذيها عوامل الشك وانعدام الثقة بين أطراف الأزمة، فضلاً اختلاف الآراء وتعدد الاجتهادات وتناقض المواقف والمواقف..وبالتالي لم يكن الجهد بسيطاً، كما لم يكن أمر التوافق ممكناً خاصة مع استحالة لقاء الأطراف المتصارعة في تلك الأجواء المشحونة بالتوتر والقلق ما لم تكن هناك إرادة حقيقية في إخراج البلاد من تلك الورطة، فلقد تجلت الحكمة اليمانية في أروع تجلياتها مشفوعة بدعم المحيط الإقليمي والدولي، إذ ساهمت جميعها في ترطيب الأجواء وتمكين تلك الأطراف مواجهة حقيقة خياري الذهاب إلى السلام أو الضياع في متاهات الاحتراب..وهو ما تأتى تماماً تحت مظلة الحوار الوطني الذي أفضى في نهاية المطاف إلى التوافق على هذه المخرجات التي حققت إرادة الانتصار على أوهام الشك وأنجزت ما لم يكن في الحسبان.
عندما نقول إن من حق اليمنيين الافتخار بهذا الإنجاز غير المسبوق، فذلك لاعتبار قدرتهم على كسر تلك النظرة التشاؤمية حول استحالت إمكانية خروجهم من المأزق- الأزمة وتغلبهم على تركة مثقلة من المشكلات العصيبة التي رزح تحت وطأتها الوطن ردحاً طويلاً من الزمان.
ومن المناسب هنا التذكير بأن شرط استكمال هذا الابتهاج مرهون بتلبية متطلبات الاستحقاقات الوطنية خلال المرحلة المقبلة من الفترة الانتقالية.. والبدء –عملياً - في بناء اليمن المعاصر.. وهو متاح وممكن إذا ما تمكن اليمنيون - وبنفس الإرادة- من التغلب على مجمل الاحباطات والتحديات والعمل على تنفيذ مخرجات الحوار.. وهـم أهل لذلك.