دوماً ما يضرب اليمنيون الأمثلة والنماذج في عودتهم إلى خيارات الحوار عند أحلك الظروف قساوة.. والتاريخ مليء بهذه الدروس والتجارب التي تؤكد سلمية اليمنيين واحتكامهم إلى المنطق والعقل، حيث تجلى ذلك في المصالحة الوطنية عقب سنوات الاحتراب الأهلي بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال وكذلك فيما شهده الشطر الجنوبي عقب الاستقلال من صراعات دموية بين رفاق السلاح.. ولعل إعادة تحقيق وحدة الوطن وقيام الجمهورية اليمنية مطلع التسعينيات لم تخلو من تلك الإرهاصات، لكنها –في واقع الأمر كانت أروع تجليات المشهد في التاريخ اليمني المعاصر، خاصة وأن الوحدة جاءت بعد حروب مريرة وطويلة بين الشطرين.
ولا شك بأن ثمرة النزاعات التي عقبت قيام هذا المشروع الوحدوي وما تركته حرب صيف 1994م قد أنتج هذه التسوية السياسية والحوار الوطني لإعادة ترتيب البيت من الداخل.. وهي خطوة إيجابية محسوبة لليمنيين دون شك.
وإن ما طرأ خلال الأسابيع المنصرمة من حشد عسكري كان – ولا يزال – ينبئ بمخاطر حقيقية تتهدد أمن وسلامة اليمن، مالم يسارع العقلاء إلى محاصرة هذه الأزمة ..والعودة مجدداً إلى خيارات السلام والحوار ومعالجة مختلف التباينات بروح وطنية مسؤولة.. وبالتالي وضع حلول ومعالجات ناجعة لمجمل تلك المشكلات والتحديات المنتصبة أمام استكمال إنجاز مشروع قيام اليمن الاتحادي الجديد.
هذه الحقيقة المسلم بها، أفضل أن تأتي اليوم من أن تأتي بعد فوات الأوان.. وهدر إمكانات وطاقات اليمنيين في حروب عبثية، لا يستطيع أحد التكهن بنتائجها المدمرة والكارثية على الداخل والخارج أيضاً.
وبالتأكيد المطالبة بالتقاط الفرصة الأخيرة هي مسألة منسجمة مع الشخصية اليمنية المجبولة على التسامح والإخاء، مالم تكن ثمة أياد وقوى تذكي نار الاختلاف والفتنة التي لعن الله من أيقظها.