يعتصر الألم قلوبنا حزناً على رحيل الأب الفاضل والمناضل الكبير عبدالجليل قائد حسن، الذي وافته المنيّة يوم الأربعاء الماضي إثر حادث مروري في وادي الضباب, وبرحيله فقدت جبل حبشي أنبل وأعظم رجالها على الإطلاق.
كان للمرحوم الفضل الأول وقصب السبق في العمل والسعي لحصول المديرية على عدد من المشاريع الخدمية من طرقات ومدارس... وغيرها, ولا أحد يستطيع أن يزايد عليه أو ينكر له هذا الفضل, حتى عندما كانت تتقطّع السُبل بأبناء المديرية لإكمال تعليمهم في قراهم؛ كانوا يأتون إلى المدينة لمواصلة الدراسة، وهم يعرفون جيداً أن إيجاد مقر للسكن لم يعد مشكلة بوجود السكن الخيري المجاني الذي خصّصه الأب الفاضل للطلبة الآتين من قرى المديرية.
هذا السكن الخيري هو عبارة عن عمارة في منطقة الأجينات نُطلق عليها اسم “العمارة” منذ بداية الثمانينيات؛ وهي البيت الذي يحتضن الكثيرين من الطلبة الآتين من قرى المديرية - وأنا واحد منهم - لاستكمال دراستهم في مدارس المدينة، ولاتزال “العمارة” حتى يومنا هذا تستقبل أفواجاً من الطلبة دون أن يدفعوا حتى فلساً واحداً.
الكثيرون من أبناء المنطقة مرّوا بهذا السكن الخيري، وصار منهم اليوم المهندس والمحاسب والصحافي والطبيب والمدرّس والأستاذ الجامعي ومن هم في سلك القضاء وغيرهم في مختلف التخصصات, ولا نبالغ إن قلنا بأنه لولا هذا السكن الخيري لما استطاع العديد منا استكمال الدراسة والوصول إلى ما نحن عليه اليوم.
لا أحد في مديرية جبل حبشي لا يعرف المناضل الكبير عبدالجليل قائد حسن, بل إن له شعبية جارفة ويحظى بحب واحترام وتقدير الجميع، نظراً لما قدّمه من أعمال جليلة لصالح المديرية وأبنائها ؛ولأنه كان ولايزال مثالاً للنزاهة والأمانة والشرف والإخلاص والعمل الخيري بلا منازع، سخّر حياته لخدمة الناس ولم يعمل شيئاً من أجل نفسه, عمل بصمت ودون أي ضجيج ولم يرد يوماً جاهاً أو منصباً أو مالاً, مع أنه كان بإمكانه الحصول على كل شيء بيسر وسهولة لو استغل حب الناس واحترامهم له وشخصيته القيادية, لكنه اكتفى بالعمل في خدمة الناس، تاركاً المناصب لمن يلهثون وراءها, كان يحب الخير للآخرين أكثر مما يحبه لنفسه وكل ما قام به من عمل خيري كان لوجه الله خالصاً دون أن ينتظر من أحد جزاءً ولا شكورا.
تعرّض للكثير من الأذى بسبب مبادئه وأفكاره القومية التقدّمية؛ لكنه ظلّ ثابتاً عليها متمسّكاً بها وراسخاً رسوخ الجبال، ولم يتزحزح قيد أنملة عن المبادئ التي آمن بها وضحّى بكل شيء من أجلها, ثروته الوحيدة التي تركها بعد رحيله هي حب الناس واحترامهم وتقديرهم له.
قبل حوالي شهر شاء القدر أن ألتقيه صدفة أمام «العمارة» بعد سنوات من الغياب, فاستقبلني بترحاب شديد، مبدياً سعادته الكبيرة بهذا اللقاء, وتحدّثنا عن أوضاع البلد والعديد من أمور الحياة، وانتهينا بإصراره على أن أقوم بزيارته في القرية، واتفقنا على التواصل لتحديد الوقت المناسب للزيارة, لكن القدر الذي جمعنا به صدفة لم يمهلنا للالتقاء مرة ثانية وتلبية الدعوة لزيارته في القرية.
فرحمة الله عليك أيها الأب الفاضل، ونسأل الله أن ينزلك منزلة الصدّيقين والشهداء والصالحين.. إنه سميع مجيب.
k.aboahmed@gmail.com