المتغيّر العاصف في المشهد العراقي لم يأتِ من فراغ، وليس معزولاً عن الجغرافيا المكانية والسياسية العراقية خلال سنوات ما بعد سقوط نظام صدام حسين، وقد جرت الأمور على مدى سنوات المتاهة الجديدة المتجدّدة على نحو أزعج أصدقاء النظام قبل أعدائهم، وتكشَّف وبالأدلّة القاطعة المانعة أن عهد المالكي لا علاقة له بمشروع المجتمع الديمقراطي المزدهر الذي طالما تغنَّت به الإدارة الأمريكية، ومن راهنوا على التغيير الإيجابي، فقد أظهرت الأيام ذلك الوجه البائس للمنطق الطائفي الاستئصالي الرافض للوحدة الوطنية النابعة من أنساق العراق الثقافية والإثنية والتاريخية، وفي كل انعطافة انتخابية يُشهر العتاة الجدد سيوف الفتنة، كما حدث في الدورة الانتخابية السابقة التي تنافس فيها أياد علاوي مع المالكي، وكانت النتيجة رفضاً مُسبقاً لمقتضيات الشفافية الانتخابية، وتعسّفاً في تمكين المالكي بوصفه الضامن الأكبر للاستيهاميين الطائفيين.
الفارق الجوهري بين دكتاتوريتي الأمس واليوم يتمثَّل في أن الدكتاتورية الأولى سيطرت على مقدّرات الأمور، وعمّمت نظاماً توتاليتارياً مقروناً بالزعيم الأوحد، وبالمقابل نجحت دكتاتورية اليوم في تفكيك العراق نفسياً وطائفياً ومؤسّساتياً، والشاهد على ذلك ما جرى ويجري من مفاسد أزكمت الأنوف، والتصرّفات غير المنطقية للنُخب السياسية الطارئة التي تمرَّغت في سوء استخدام المال العام، وإهمال التنمية، والاستغراق في سياسات الاستقطاب والتمترس، وإطلاق العنان لكل أشكال التطرُّف المسيّج بلبوس ديني على المستويين الشيعي والسنّي، وتعميم ثقافة الكراهية والريبة المتبادلة، بدلاً من ثقافة المواطنة القرينة بتاريخ السويَّة العراقية.
Omaraziz105@gmail.com