قليلة هي التناولات الصحفية و التحليلات الاقتصادية حول قضية وأهمية رفع الدعم عن المشتقات النفطية بالنظر إلى السيل الجارف من الكتابات التي أعقبت هذا القرار الصائب الذي اتخـذته الحكـومة بعد تردد طويل جراء تعدد وجهات النظر داخل مكونات الحكومة الحزبية إلا أنها لم تجد بداً من التوافق على اتخاذ هذه الخطوة التي جاءت متأخرة كثيراً وبخاصة بعد أن كادت أن تلحق بالجميع أضرارا فادحة.
وفي هذا السياق فإن المرء ليس بحاجة إلى تبرير أهمية اتخاذ هذا القرار وذلك بالنظر إلى الحالة السيئة التي وصل إليها الاقتصاد الوطني الذي كـاد يوشــك علـى الانهيـار بعـد أن عــاش ولا يـزال في غـرفة الانعاش جراء الالتزامات الضخمة والنقص الحاد في الايرادات العامة فضلاً عن ارتفاع كلفة فاتورة الاستيراد مقابل تقلـص واضح في ايرادات الأوعية الضريبية والجمركية و النفطية وذلك بسبب حالة الاختلالات الأمنية التي عاشها الوطن في السنوات القليلة المنصرمة.
وأحسب أني واحدٌ من الكتاب القلائل الذين أشاروا ومنذ وقت مبكر إلى أهمية وضرورة إقدام الحكومة على إجراء هذه العملية الجـراحية في وقت تردد فيه كثير عن التطرق إلى هذا الموضوع حتى يأتي قرار الحكومة في هذا الاتجاه.
وبالعودة إلى موضوعنا الأساس يمكن تسجيل ملاحظتين على جانب كبير من الأهمية، حيث تؤكد كل منهما صـوابية قرار تحرير أسعار المشتقات النفطية في أهميته وتوقيته أيضاً.
المـلاحظة الأولى: يمكن رصدها من خلال ما أعلـنته وزارة الـدفـاع عشية اتخاذ هـذه الخطوة من القبض على شحنة محملة بكميات كبيرة من الديزل كانت في طريقها للتهريب إلى أحد موانئ الدول الأفريقية المجاورة والذي تباع فيه المشتقات النفطية بضعف أسعارها في اليمن وهي واقعة تشير إلى سلسلة من عمليات التهريب التي كانت تجري خـلال السنـوات الماضية والتي كبدت الخزينة العامة خلال العقد المنصرم ما يقرب من الــ 22 مليار دولار.
الأمـر الـذي يؤكد أن دعم هذه المشتقات لم يكن يصل في الأساس إلى مستحقيه من أبناء المجتمع وإنما تذهب إلى جيوب حفنة من المتنفذين ومراكز القوى!.
المـلاحظـة الثانية: تبـرز في موقف الاتحاد العـام للغرف التجارية اليمنية الذي ثمن هـذا القـرار باعتباره الخيار الأنسـب للحيلولة دون وقوع الكـارثـة.. مـؤكداً بـأن هــذه الـزيـادة البـسيطـة في أسعـار المشتـقات النفطية لن تؤثر كثيرا على أسعار المواد الغذائية والمنتجات الصناعية المحلية.. وهـو مـوقف محسوب وبخاصة من قطاع يهمـه عـدم رفـــع أسعـار هـذه المشتقات بالنظر إلى الحفاظ على القوة الشرائية للعملة المحليـة .
المهم في هـذا الإطار أن تلتزم الحكومة بمجموعة الضوابط التي أعلنتها عشية اتخاذ هـذا القـرار وبخاصة فيما يتعلق بـترشيد الانفاق الحكومي وضبط ايقـاع الايـرادات العـامة فضلا عن الالتزام بتوسيع قاعدة شبكة الأمان الاجتماعي ومعالجة الاختلالات الهيكلية في القطاع الحكومي وإيلاء القطاع الأمني الأولوية حتى يتمكن من تطبيق النظام والأمن وبما يسهل جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية الذي سيساهم –دون شك- بتعزيز وتـائر الاقتصاد الوطني وتشغيل الأيادي العاملة في مختلف القطاعات والمناطق.. وقبل كـل هـذا وذلك تفعيل أجهـزة الضبـط القضـائي ومكـافحة التهريب الجمركي والتهرب الضريبي واجتثاث الفساد واسترداد الأموال المنهوبـة، إذ مـن شـأن هذه الاصلاحات معالجة جانب من هذه الاختلالات ما لم سيبقى حالنا كحال من يضع الماء في قربة مقطوعة!!.