سبق أن كتبت حول ضرورة غربلة الثقافة العربية من الولاءات الضيقة التي تحصر الإنسان في حيز يتناقض جذريا مع سعة المدلول الذي يدل عليه مفهوم الثقافة أولا ومدلول الهوية العربية عقيدة إسلامية سامية وفكرا قومياً حضاريا ثري العطاء وأرومة تأريخية أصيلة هي جماع ما يمثله مشهد الوجود العربي الحي بكل ما يمتلكه من الخصائص والمقومات والطاقات والإمكانيات البشرية والجغرافية والطبيعية والتأريخية الحية !!! ومع تفاقم الأوضاع العربية سوءا وانحدارها إلى حافة الضياع وهاوية الاحتضار بسبب تفاقم الحروب الأهلية والمذهبية وتوحش النعرات الطائفية وغيرها في أشكال وصور من الصراعات الدموية السياسية على السلطة والمصالح الأنانية والفئوية والطائفية والمناطقية الخاصة على حساب مصلحة المجموع أعني الشعب والأمة والمصلحة الوطنية والقومية العامة.
ومازال السؤال القديم الجديد حول حقيقة الثقافة العربية سعة وضيقا وحياة وأفولا ودليل ضعف وقوة حصانة فما هي ثقافة الأمة العربية اليوم؟ وهو سؤال يجرجر أسئلة أخرى كثيرة والتفاصيل مريرة؟ اعتقد انه من الصعوبة بمكان الإحاطة بإجابة واحدة جامعة مانعة ليس لأن هناك تنوعاً ثقافياً وذلك واضح للعيان حتى على مستوى القطر العربي الواحد.. وليس لتعدد المنابع والمناهل الثقافية وذلك أمر لاشك فيه.. ولكن أيضاً لتشابك الفكر في جملة من الطوائف والمذهبيات التي تعددت برغم أن العقيدة الإسلامية وحدة متكاملة ومتماسكة فالإسلام هو دين واحد.. ولكن واقع الأمة التي تنتمي إليه بالغ التعدد. وغني التنوع وبؤرة الخطورة في ثقافة تحكي تفصيلاتها مثل هذه الصورة الفسيفسائية وبدا الخطير جداً أن واحداً في ذلكم الجمع بل وكل واحد فيه يعتقد جازما متعسفا بأنه هو الصحيح وبأنه وحده على الحق ويريد أن يكون هو السائد وهو المهيمن بل.. وهو الذي يقف في الخندق القائد والرائد ؟ وعلى الآخرين أن يصححوا مواقفهم وعقائدهم!! فهذه إذن الطامة الكبرى في الثقافة العربية الإسلامية بل في الثقافة الوطنية على مستوى بعض الأقطار التي تم فيها عن قصد وربما عن غفلة إقصاء الولاء الوطني وإطفاء جذوة ثقافة الوحدة الوطنية والعربية والإسلامية والتي كان يجب أن تظل في الصدارة وعنوان الحصانة من كل الاختراقات والولاءات الضيقة ??
إذن كيف يمكن النظر في ثقافة يتفجر منها مثل هذا البركان؟ والذي هو في الوقت ذاته بركان متعدد ومشتعل ومازال يقذف الحمم والرماد والركام!! لذلك يدعو الكثير من المصلحين إلى أهمية غربلة الثقافة العربية من قبل أبنائها لتتخلص من فكرة الولاءات الضيقة لجملة من الأهداف الجوهرية التي في مقدمها إعادتها إلى الانسجام مع المنابع الصافية في العقيدة الإسلامية الواضحة المتسامحة والتي جاءت رحمة للعالمين. ولاشك أن السبيل إلى ذلك يبدو مدججا بالوعورة الفكرية.. والكهانة السياسية والنزعات السلطوية بل وصعوبات ورطة التمترس في الولاءات الضيقة - لا أريد أن أصفها حتى لا أستفز جماعة أو أحداً ما- لأن الحديث عن الثقافة وهي تدعو للترفع عن خنادق وبؤر الخلافات والصراعات ولكن لابد من الإثارة لبعض الأفكار حتى تفتح أفاق القبول لمناقشة الأمر والتوجه نحو جدية الخوض فيه؟ بداية من التسليم بواقع وحقائق التعدد والتنوع في الحياة الثقافية العربية.. والاتفاق على ضرورة القبول بهذا الأمر الواقع والتحاور معه وذلك يستدعي تجاوز خنادق التمترس والرفض لثقافة الآخرين وحتى مذاهبهم وفي أحيان كثيرة بدون معرفة حقيقية لها للأسف الشديد!! على ان تكون البداية هي فتح صفحات العلم والمعرفة بكل معطيات وقسمات ثقافة الأمة العربية اليوم؟ من خلال إجابة يتعين أن تتوافر تلقائيا لدى الجميع؟! وبجهدهم الخاص والمشترك أي لايتم فرضها من قبل طرف واحد على الآخرين ولهذا فإن الرفض للإملاء مقبول ودون أن يكون ذلك رفضا للاستيعاب وهو ما لا يصح القبول به؟
إن ذلك في نظرنا هو الأمر الذي سيضع في يدنا تلقائياً مفاتيح الغربلة المطلوبة وأهمها المعرفة. والعلم والقبول بالآخر.. وحسن الظن في مساعي الجميع للفهم والاتفاق وتجاوز بؤر الإلغاء والتكفير ورفض التشكيك في إيمانهم وبالأساس بتوحيدهم ونترك للغربلة الحكيمة والعاقلة أن تطرح ثمارها المرجوة في بوتقة الحجج البيضاء .. ولاشك بأنها سوف تكون لمصلحة الوطن أولا في نطاق كل قطرٍ ومن ثم لمصلحة الأمة.. ولمصلحة ثقافتها الحية الباقية.. وعقيدتها الإسلامية الإنسانية الصافية المبرأة من كل الأدواء وأخطرها الولاءات الضيقة؟وكيف لا وقد أوصلتنا أعني الولاءات الضيقة بتمكنها من بعضنا في بعض الأقطار إلى فتنة الحروب الأهلية الطائفية والمذهبية