عندما وقعت حادثة الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو الباريسية وقبل أن يتم رسمياً معرفة الجهة التي نفذتها أو الدوافع , قلت على الفور لصديق لي: إنني أعتقد أن إسرائيل وراء العملية عبر واحدة من الجماعات الإسلامية التي تحركها استخباراتها وأن الحادثة رسالة إسرائيلية لفرنسا التي كانت قد أعلنت اعترافها بفلسطين كدولة وصوتت في مجلس الأمن لصالح قرار أعاقته أمريكا وكان يتضمن تحديد سقف لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي .
وقلت له : طبعاً ما دام أن تلك الصحيفة كاريكاتورية فسيكون المبرر هو رد على رسوم مسيئة للرسول محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم , حتى لو كان ذلك بأثر رجعي وعن رسومات تعود إلى سنوات مضت وجميعنا يستنكرها ويندد بها سواء في الماضي أو الحاضر أو في المستقبل .
وعندما ظهر قبل يومين قيادي في ما يعرف بقاعدة الجهاد في جزيرة العرب ومقره اليمن معلناً تبني التنظيم للعملية التي وصفها بـ « غزوة باريس المباركة » قال إن الإعداد والتخطيط مع منفذ العملية تم عبر القيادي في التنظيم أنور العولقي والذي قتل بغارة أمريكية عام 2011 ,بمعنى أن العملية لو كانت حقيقة غيرة وحمية دينية خالصة لله ولرسوله لكانت وقعت في 2011 أو بعد فترة وجيزة من نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية المسيئة ..ومن حقنا أن نسأل هنا : لماذا هذا التوقيت وبعد كل هذه السنين ؟.. وعلينا أن نضع ألف خط تحت هذا السؤال .
العملية.. هيجت المشاعر الفرنسية وحين تقدم رؤساء وزعماء بلدان حول العالم تلك المسيرة الاحتجاجية المليونية في باريس، رأينا رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وهو يقف على يمين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند باعثاً بذلك رسالة مفادها أن الدولة العبرية هي الصديق الذي يمكن لفرنسا أن تعتمد عليه وليس أولئك العرب والمسلمين الذين يصدّرون فقط الإرهاب والعنف.فيا لحماقة ويا لخساسة تلك الجماعات التي تدعي أنها إسلامية وهي في الحقيقة أداة طيّعة للاستخبارات العبرية وغير العبرية وليس لها من عمل سوى توجيه الطعنات تلو الطعنات في خاصرة الإسلام وفي جسد العالم العربي والإسلامي، وبحسب الأنباء الواردة من فرنسا فإن عشرات الهجمات على المسلمين ومساجدهم بفرنسا وقعت منذ عملية شارلي إيبدو وبعضها وصل إلى حد إطلاق النار وتعليق رؤوس خنازير عند بوابة مساجد هناك , ومن المؤكد أن ردود الأفعال تلك سوف تتصاعد وتضاعف من مشاعر العداء والكراهية ضد العرب والمسلمين، وسوف تحبط الكثير من الجهود التي كان يقوم بها دعاة سلميون لتقديم الإسلام ورسول الإسلام إلى الشعب الفرنسي في أنقى وأبهى صورة .
وأيضاً القضية الفلسطينية والقضايا العربية والإسلامية ستخسر صديقاً هاماً يتمثل في فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن وأكبر بلد أوروبي سجل مؤخراً موقفاً غير مسبوق في مجلس الأمن لصالح الدولة الفلسطينية .
أما عن الخسارة الفادحة التي سيتكبدها اليمن بعد أن أعلن تنظيم القاعدة في اليمن تبنيه للعملية , فحدِّث ولا حرج , فعلى مدى نحو ربع قرن واليمن يكتوي بنار الإرهاب ويخسر الكثير سياسياً واقتصادياً وأمنياً جرّاء العمليات الإرهابية التي تقع داخل بلادنا أو للأسف الشديد تقع في بلدان أخرى ثم يتم تبنيها من إرهابيين في اليمن أو زاروا اليمن أو مرّوا من اليمن.