باستثناء اليمن، حدث ولا حرج عن المنعطفات الخطيرة التي آلت إليها حالة ثورات الربيع العربي في كل من مصر وليبيا وتونس، فضلا عن المأساة التراجيدية التي تعيشها سورية راهناً جراء إطالة أمد الأزمة والحرب.. ولعل هذا الاستثناء الذي وضع اليمن على خارطة التجارب الناجحة في معالجة إشكالية الانتقال السلمي للسلطة قد مكنها لأن تحظى بالتأييد والإجماع الإقليمي والدولي.. وبالتالي رعاية مبادرة التسوية على قاعدة الحلول التي ارتضاها اليمنيون دون استثناء.
وكما هي الإشادة واجبة لتحية الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، كذلك هي الإشادة للأسرة الأممية لرعاية هذه التسوية التاريخية لحل المعضلة اليمنية، خاصة أن الأمر لا يقتصر عند ذلك فحسب وإنما يتجاوزه إلى تقدير موقف رجل شجاع، اقتحم المشهد بثقة متحملاً تداعيات تلك الفترة العصيبة وتحديداً خلال المواجهات العسكرية مطلع العام 2011م، حيث تصدى الرئيس عبد ربه منصور هادي لمجمل تلك التحديات بكل شجاعة واقتدار.. وعمل مع المخلصين منذ تلك اللحظات على تفكيك أصابع الديناميت والذهاب ــ عوضاً عن ذلك ــ إلى مسارات التسوية السلمية وفي اتجاهين:
- الاتجاه الأول اقتضي التوقيع على المبادرة الخليجية للتسوية، بينما أخذ الاتجاه الآخر طريقهٌ التوجه إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد للبلاد، حيث اُستكملت مرحلة إسكات فوهات المدافع بإجماع شعبي على اختيار الرئيس هادي قائداً لهذه الفترة المهمة من تاريخ اليمن الحديث وبدء شرعية دستورية جديدة ، إذ لم يُكذّب الرجل أهله وكان عند مستوى جسامة هذه المسؤولية الوطنية التي أدارها بكل كفاءة وحنكه واقتدار.
في حقيقة الأمر، فإن الرئيس عبد ربه منصور هادي وبما يتمتع به من ملكات قيادية وسعة صدر وبُعد رؤية، فإنه لم يكن متعجلاً في سياسة إحراق المراحل وإنما في حلمه وتأنيه عند اتخاذ القرار إزاء معالجة تلك التحديات الكبيرة والشائكة منها، إذ أتيح للرجل بعد تشكيل قوام لجنة الحوار الوطني الشامل لصياغة مستقبل النظام السياسي الجديد، إمكانية حشد المزيد من الدعم الإقليمي والدولي لمؤازرة ورعاية هذه التسوية السياسية من جهة وتأمين موارد الإنقاذ الاسعافية لحالة الاقتصاد شبة المنهار من جهة أخرى، فضلاً عن الإجراءات العملية التي اتخذها الرئيس هادي لمعالجة الاختلالات الأمنية وإعادة تصويب هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية ودحر الخطر الإرهابي الذي وصل مداه في الاستيلاء على محافظة أبين وأجزاء من محافظتي شبوة ولحج.
والخلاصة.. فلقد أثمرت تلك الجهود الرئاسية في أبعادها المتعددة واتجاهاتها المختلفة من تأمين وتهيئة الظروف الملائمة لتوقيع الأطراف المعنية على وثيقة حل وضمانات القضية الجنوبية والمؤكدة على الدولة الاتحادية وكفالة الحقوق العادلة والمساواة لكل أبناء الوطن دون تمييز أو استثناء .. وهو إنجاز لو تعلمون عظيم !!
غــــداً : في وداع عام واستقبال آخر ..!