سار الطيَّار اليماني الجبلي في دربه المفتوح وصولاً إلى ميناء “المخا” في غرب اليمن، على البحر الأحمر، وحالما شاهد البحر بصفائه ورونقه الأخضر، قرر أن ينتقل من اليابسة إلى الماء، مواصلاً سيره الدائم إلى اللا مكان، وكان عليه أن يركب البحر مع المسافرين بالمركب الخشبي.. لكنه لم يكن يملك من متاع الدنيا سوى الختمة المعلقة على كتفيه بواسطة جراب جلدي مُفصَّل خصيصاً على مقاسات المصحف الشريف.
سأل قبطان المركب بأن يسمح له بالسفر مع المسافرين.
قال له القبطان : لك ذلك إن دفعت ثمن الرحلة .
قال الطيَّار: لا أملك مالاً، ولكن بوسعي خدمتكم في المركب.
فكان الجواب المباشر للقبطان: لسنا بحاجة إلى خدمتك.وقف الطيَّار أمام الساحل يتأمل المشهد، وبعد قليل تحرك المركب صوب دربه الطويل، وهو يمخر عباب الماء نحو العمق البعيد.
فجأة وبدون سابق تفكير وبحركة لا واعية، خلع الطيَّار الواقف على حافة البحر عمامته، ورماها على الماء، فتوقَّفت في مكانها، كما لو أنها تنتظر من يشير عليها بالتداعي الطبيعي الحُر مع الماء، كما تقتضي نواميس الكون والطبيعة.. لكن العمامة ظلت في مكانها، ولم تتحرك أو تتماوج مع الماء، فالتقط الطيَّار إشارة ما، لم يعرف كُنهها ولا خطرت له على بال .. حاول تحريك العمامة بعصاه فلم تنتقل قيد أنملة. عرف المقصود.. فوضع رجليه عليها قائماً كالطود الراسخ، فلم تتلوّ خرقة المعنى من ثقله، لكنها بدأت تتحرك صوب العمق، متسارعة بإيقاع متصاعد، ومرت سريعة وعليها الطيَّار، ليشاهدها القبطان وكل من كان في المركب. . سار الطيَّار على سفينة عمامته، بعيداً في رحلته، متجاوزاً المركب.
Omaraziz105@gmail.com